حين تكلمنا قبل نحو خمسة أعوام أو يزيد عن فكرة الشرق الأوسط الكبير أو الجديد، أو ما يعرف بالفوضى الخلاقة أو محاولة تقسيم الوطن العربي، حينها كانت الفكرة لم تتضح بعد في أذهان الكثير من الناس هنا، بل كانت الفكرة عبارة عن تخرصات غير قابلة للفهم أو الهضم، أما اليوم فالفكرة أصبحت واقعاً يصدم الجميع.من كان يقرأ تسلسل الأحداث في سياقها الدولي والإقليمي في تلكم الفترة يدرك تماماً أن ما يحدث الآن هو عبارة عن حالة منطقية جداً لتلك الممارسات الدولية حيال هذه المنطقة، إذ كان كل شيء يشي بوجود مشروع كبير جداً يطبخ على نار هادئة في مطابخ المخابرات العالمية، وأن ما يجري اليوم من أحداث متسارعة في الشرق الأوسط، يعطينا لمحة صارخة بأن الزلزال السياسي / الاستراتيجي بدأ ولن يتوقف إلا بتغيير شكل الدول والإقليم.مع الربيع العربي بدأت فكرة المشروع الخاص بالشرق الجديد تتضح أكثر من ذي قبل، وبدأ المشروع يدخل حيز التنفيذ، أما اليوم وبعد أن دخلت بعض الأطراف مفاوضات أو حروب أو تجاذبات ومماحكات سياسية شرسة، عرفنا أن وقت تنفيذ الفكرة إلى واقع عملي قد حان، وأن ما يجري حالياً هو وضع النقاط على الحروف.بين هذه العواصف التي تنبأنا بحدوثها في مرصد الأحوال السياسية قبل عدة أعوام، حان الوقت أن نطرح الأسئلة المرعبة التالية؛ ما هو موقف الدول العربية من كل هذه الإرهاصات الدولية؟ وكيف ستواجه دولنا مسألة التقسيم الذي بدأ قديماً بتقسيم السودان -لمن نسي- فهل ستخضع له دون مقاومة؟ أم ستقاومه بكل أشكال الرفض الشرعي حتى لا يتحقق ولو في شكله الأولي؟لا مجال للتفكير، فالوقت داهمنا، والحل في أيدينا سقط، ولهذا فالقرار الذي يجب أن يتخذه العرب اليوم هو رفضهم التام لكل أشكال التقسيم، ولو بأدنى حدوده ودرجاته، فتقسيم المقسم وتجزئة المجزأ هو الهدف الختامي من معركة الغرب ضد الوجود العربي في هذا الإقليم، وما المواقف التي حددتها الدول غير العربية في خضم هذه الإرهاصات، إلا دليل واضح على النية المبيتة للغرب في تقسيم الوطن العربي، إضافة أن الدول غير العربية بدأت تفكر في مصالحها قبل أن تفكر في مصالح غيرها.القرار الغربي اتخذ منذ فترة ليست بالبعيدة، لكن، هل اتخذ العرب موقفهم من الغرب؟ وهل اتخذوا موقفهم الحاسم من معركة وجودهم كي يقرروا شكل وجودهم ومستقبلهم القادم؟ أم سيظل العرب دائماً وأبداً، متأثرين لا مؤثرين، ومنقادين غير قائدين؟ الوقت داهمنا، ولا مجال لدينا حتى للإجابة على كل هذه الأسئلة، فما يمكن للعرب أن يفعلوه في قادم الساعات، وليس في قادم الأيام؟