بالرغم من الجهود الجبارة التي بذلت منذ أمد بعيد للتقريب بين الأديان وتضييق مساحات الخلاف بين المذاهب للدين الواحد؛ إلا أنها لم تؤت ثمارها؛ بل على العكس زادت من الشرخ بينهم وتحولت في بعض الأحيان إلى حروب طائفية مقيتة، كان مغذيها الرئيس هو العامل الديني والمذهبي.ومن التناقض الملفت للنظر أن من يقف وراءها وينفخ فيها جلهم من دعاة التقريب، وأرى أن السبب الكامن وراء عدم نجاح تلك المؤتمرات، بالرغم من الدعم المطلق لها، هو عدم صدق النوايا، وكل طرف يظن أن معتقده هو الحق بعينه وخلافه الضلال، فغدت تلك المنابر للمبارزة الخطابية ولم تستطع أن تقدم للمجتمعات شيئاً، ولا نغمط اصحاب النوايا الصادقة من كل الأديان والمذاهب حقهم؛ لكن الموج كان عالياً فغاب صوتهم وسط تلاطمه، ثم أن الفكرة من أساسها لا تستقيم مع حكمة الله في شؤون خلقه (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة).الأولوية الآن التي يجب أن تتبناها الدول والمنظمات والهيئات ومراكز البحوث والتعليم، بل حتى نزولاً إلى الأسرة؛ هي نشر ثقافة التسامح والتعايش بين الناس وقبول الآخر على اختلاف معتقداتهم، ويجب مغادرة بل إسكات كل صوت يسعى لإلغاء الآخر او تسفيهه مهما كان فكره ومعتقده، فالقواسم المشتركة التي تؤلف بين الناس كثيرة جداً، وهي أقرب للنفس من الغوص في المعتقدات، فالمعتقد أمر روحي بين العبد وربه ولا سلطة أو سلطان لأحد عليه، أما التعايش فهي مصالح وثوابت تبني الفرد والمجتمع وتحافظ على كيانه وتؤمن الأوطان وتحمي الإنسان، ولا يختلف عليها اثنان. وأسمى درجات التعايش طبقتها المجتمعات الراقية، وكان أول سلم رقيها هو نشرالتسامح وطي خلافات الماضي، والأمثلة أكثر من أن يستشهد بها، كذلك أودع الله في مخلوقاته غاية إبداعه في التنوع لتدفع بنا للتفكر، فلا تستقيم الحياة في غابة كلها أسود أو غزلان، فرغماً لكونه عدوانياً ومفترساً لكنه سيغادر غابته ليبحث عن غابة متنوعة ليستديم حياته وسينقرض إن أصر على نوعه ولم ينفتح ويبحث عن غابة أخرى متنوعة المخلوقات ليجد ضالته.ومن بديعه أنه لم يكتفِ بخلق نوع واحد من الأثمار والأزهار والطيور والأنهار والعيون والبحار والهضاب والجبال، وحتى تقلب الليل والنهار، فهب أنك تدخل بستاناً فيه نوع واحد وعلى مد بصرك، لكنه بلون واحد وآخر مجاور له فيه من كل لون وعبق ما يبعث في النفس الراحة فستميل بالفطرة للثاني وستهجر الأول، وستحاول نقل تلك الأنواع لتطعيمها وإصلاحها وإخراجها من الرتابة. لكن المخلوق الوحيد الذي تمرد منذ بدء الخليقة بقبول الآخر، بل تناحر حتى مع نوعه وبني جنسه، هو ابن آدم منذ أن قتل هابيل أخاه قابيل، وتوالت بعدها حلقات الابتعاد عن السنن الكونية في إعمار الأرض والتعايش عليها، وحاولت الشرائع والرسل جمعهم، ونجحت لحد ما في رأب الصدع، لكن ما إن انتهى عصر الرسالات إلا وعادت البشرية القهقرى وتطاحنت شعوب وأمم، وكل واحد يسعى لإلغاء الآخر، فانهكت قواهم فاضطرت بل اقتنعت بعضها نهاية المطاف بأن لا سبيل لديمومة حياتهم إلا بالانفتاح والتعايش، وبقيت أخرى تتطاحن إلى يومنا هذا ظناً منها أن لها الغلبة يوماً وباستطاعتها أن تجبر الآخر على تطويعه وترويضه أو اجتثاثه وإسكاته، وهذا هو التخلف والوهم والخراب بعينه.. فلنتفكر.
Opinion
بثقافة التسامح والتعايش سينتهي الصراع الطائفي
20 أبريل 2015