نشكر سمو رئيس الوزراء لأنه كلف وزير الشباب باحتواء شباب القرى ومعالجة قضاياهم، فهذا العنوان كان أحد العناوين الرئيسة أمس.ونطالب سمو الرئيس أن تكون مهمة «احتواء الشباب» ضمن استراتيجية شاملة فهي ليست مهمة وزارة الشباب فقط بل هي مشروع دولة ومشروع استراتيجي شامل، له برامج وخطط ومؤشرات قياس معنية بها أكثر من وزارة، وله كلفة إنما مهما كانت كلفته فإنها حتماً وبالتأكيد لن تكون ككلفة معالجة إهمال الشباب. وأمس حين كتبنا عن كلفة تمويل الانقلابيين من جماعة الفقيه في الدول العربية أنها كلفة باهظة وخسرتها إيران وضاعت أموالها هباء منثوراً، إلا أننا اليوم نكتب تزامناً مع دعوة سمو الرئيس أن عملية إحباط الانقلاب في البحرين كانت لها كلفة باهظة لا تقل عن كلفة الإعداد له، وكان ممكناً تجنب هذه الكلفة الباهظة، لو أن الدولة جلست على طاولة ووضعت استراتيجية شاملة لاحتواء الشباب لمنع تكرار ما حدث في التسعينات وتمكنت من احتواء الشباب احتواء مدروساً من جميع النواحي لكانت الكلفة ستكون بالتأكيد أقل بكثير.خذ على سبيل المثال أحد تحديات وزير الشباب، لدينا شباب من أبناء القرى لم يزامل ولم يجاور ولم يتحدث ولم يلعب وربما لم يخرج من محيطه إلا لماماً لإجراء أي نوع من أنواع التواصل مع الآخر إلى أن وصل إلى سن 18 سنة، كيف يمكن لوزير الشباب أن يحتوي هذا الشاب وينمي فيه روح المواطنة وروح الوحدة الوطنية وهو الذي عاش وكبر ونما معزولاً؟ من المسؤول عن عزلته في مدرسته إلى سكنه إلى نشاطه غير المدرسي في حيه في ناديه الرياضي وووو، هل يستطيع وزير الشباب أن يحتوي هذا الشاب وهو الذي لم تكن له يد في تحديد محيطه الاجتماعي؟ هذه جريمة ارتكبتها الدولة بإهمالها وتركها البناء المواطني للإنسان أن ينمو نمواً عشوائياً ولا يمكن لأي سوبرمان أن يعالجها، لشبابنا «انتماءات» عشوائية شرقاً وغرباً وغير محددة الاتجاه أحياناً، نمت بلا تخطيط و بلا دراسة وبلا استراتيجية، حتى سهل على كل تاجر للبشر أن يسرق أبناءنا من أحضاننا ويرسلهم إلى الجحيم خدمة لولي فقيه أو خدمة للخليفة الإسلامي كل حسب انتمائه الخاص، والأدهى أن من سهل لهؤلاء التجار وفتح لهم الباب وتركهم ليسرحوا هي الدولة، فهي التي تملك التشريع والتنفيذ، إن الانتماءات الوطنية لدى شبابنا هي نتاج تربية أسرية أكثر منها نتاج جهد من الدولة، وكل عشر سنوات تصرف الدولة مئات الملايين لمعالجة ما بخلت في صرفه على الوقاية منه، فكيف لوزير الشباب أن يحتوي الذين سرقوا أبناءنا من بين أيدينا وليس له يد على وزارة الأوقاف وليس له يد على الهجرة والجوازات المؤسستين اللتين سمحتا لهؤلاء المحرضين أن يعملوا بحرية تامة؟عاد الانقلاب أقوى من التسعينات وكان وقوده هم الشباب الذين لم تنجح الدولة في احتوائهم، واليوم نسأل ما هي الاستراتيجية الشاملة التي وضعتها الدولة لمنع تكرار الانقلاب بعد خمس سنوات؟لا فائدة من كل الحلول الترقيعية التي جرت ومازالت تجري من 1995 إلى الآن، لن يتمكن وزير للشباب ولا مجلس أعلى للشباب مع احترامي للجميع أن يحقق هذا الهدف وحده، والأمر يحتاج إلى أكثر من تكليف، بل يحتاج إلى دراسة شاملة مصحوبة بخطط وبرامج وجدول زمني ومؤشرات قياس.