في كتابه الذي اتخذ له عنوان «السراب» وتم تدشينه أخيراً في البحرين؛ يقول المفكر الإماراتي الدكتور جمال سند السويدي إن «خلاصة التجارب تشير إلى أن الجماعات الدينية السياسية تفتقر إلى النضج والخبرة السياسية التي تمكنها من قيادة الشعوب وتحقيق تطلعاتها التنموية»، والأمثلة في هذا الخصوص كثيرة، لعل أحدثها تمكن جماعة الإخوان المسلمين في مصر من الوصول إلى السلطة وما نتج عن ذلك من تخبط أدى إلى الكثير من المشكلات وتعطيل برامج التنمية واضطرار المصريين إلى القيام بثورة جديدة أنتجت سلطة تمكنت في غضون شهور من تصحيح الكثير من الأخطاء التي وقع فيها الإخوان وأساؤوا بها إلى العديد من الدول وإلى أنفسهم. ليس الحديث هنا عن الإخوان ولكنه عن الجماعات الدينية السياسية التي ترفع شعارات لا تستطيع أن تترجمها إلى واقع بسبب انفصالها عن المجتمع وعن الحياة العصرية التي تختلف مفرداتها عن مفردات الحياة التي جاء فيها الإسلام قبل أربعة عشر قرناً.بطبيعة الحال من حق كل مجموعة أن تتبنى ما تشاء من أفكار وأن تحلم بالسلطة، لكن ما هو ليس من حق أي مجموعة استيراد فكر يعطل التنمية في بلادها ويخرب ما تم بناؤه في السابق، فأي فكر مستورد أو جديد يفترض أن يضيف لا أن يهدم ولا أن يتسبب في التخلف. في البحرين لا يمكن للناس أن يقبلوا بفكر يمنع عنهم الحياة وإن جاء بغلاف ديني، فأهل البحرين متدينون بطبعهم ولكنهم لا يقبلون أيضاً التفريط في مكاسبهم التي تحققت على مدى سنين طويلة، فلا يمكن أن يقبلوا بما توصل البعض منهم إلى قناعة بأنه هو المنهج الصحيح لأنهم ببساطة ليسوا بعيدين عن المنهج الصحيح ولديهم القدرة على التفريق بين ما ينفعهم وما قد يتسبب في أذاهم وتخلف بلادهم. أهل البحرين يرفضون كل فكر متطرف. لا يمكن لمنتمين إلى مذهب معين أن يقبلوا بفكر متطرف فقط لأنه جاء من طرف جماعة ينتمون إلى المذهب نفسه، وبمعنى أوضح لا يمكن للبحرينيين من أهل السنة أن يقبلوا بفكر الجماعات الدينية المتطرفة لأنها تشترك معهم في نفس المذهب، ولا يمكن لشيعة البحرين أن يقبلوا بفكر أي جماعة دينية فقط لأنها تشترك معهم في نفس المذهب. أهل البحرين يعرفون أن هذا الآتي يجلب معه شراً هم في غنى عنه، ولهذا يرفضونه، ولا يمكن لأي خلايا نائمة أو مستيقظة أن تؤثر فيهم، والموضوع بالنسبة لشعب البحرين بعيد عن العواطف، فلا يمكنه التفاعل مع ما قد يؤثر على الدين أو الوطن، فهذه ثوابت لا يقبل هذا الشعب أن تهتز أياً كانت الأسباب. من حق المولع بفكر داعش أن يحلم ويتمنى أن يسود هذا الفكر في البحرين، ومن حق المولع بفكر ولاية الفقيه أن يحلم ويتمنى أن يسود هذا الفكر في البحرين، تماماً مثلما هو من حق كل مولع بكل فكر أن يحلم وأن يتمنى، ولكن في المقابل من حق شعب البحرين أن يرفض كل فكر يأتيه من الخارج ويرتاب منه، ومن حق الدولة أن ترفض وتمنع أولئك المولعين من السعي إلى تحقيق حلمهم وأمنياتهم على أرض الواقع بفرضها على العالمين. القصة باختصار أن شعب البحرين وصل إلى مرحلة لا يمكن أن يقبل بما قد يكون سبباً في إعادته خطوة إلى الوراء، والقصة أيضاً أن حكومة البحرين لا يمكن أن تقبل بما قد يتسبب في تخريب منجزاتها التي تحققت على مدى عدة عقود. فهم الناس لهذه الإشكالية يعينهم على توقع نهاية كل فكر متطرف يشتهي أن يتخذ من البحرين موئلاً.