أربــع سنوات ونيــف حاولــت خلالهـــا «المعارضة» بكل طرقها وحيلها تحقيق الحلم الذي ظل يشاغبها طويلاً، ولم تتوصل إلى أي شيء، رغم الدعم السخي الذي حصلت عليه من هنا وهناك، ورغم كل الشعارات الثورية التي رفعتها، ورغم إنكارها أن ما سعت إليه لم يكن محاولة انقلابية، بغية تسلم السلطة، وأن هدفها كان تحسين المعيشة. والواضح أن السنوات التي ستلي تلك السنوات سيزداد فيها الأمر بالنسبة لها صعوبة، فلن تحقق أي هدف ولن تكسب الناس الذين استغلتهم استغلالاً بشعاً، وظلمتهم بتخريب حياتهم وتظليم مستقبلهم، أي مفيد، لذا صار لزاماً عليها، لو كانت تعمل بالفعل كما تقول لمصلحة الوطن والمواطن، أن تقف هنيهة لتراجع نفسها، وتنظر حولها، وترى وتدرس مختلف المتغيرات، وما استجد في الساحة، من تطور لتتأكد أنه ليس بينها ما يوحي بأنه يمكن أن يصب في مصلحتها، فكل المؤشرات اليوم تقول للعاقلين إن أي حلم خارج عن المنطق لا يمكن أن يتحقق وإن ما جرى في اليمن يكفي لتأكيد ذلك. إن نظرة واقعية لما يجري في الداخل وفي المنطقة تكفي للتوصل إلى معلومة مهمة مفادها أن الطريق الذي تسلكه هذه «المعارضة» غير نافذ، وأن ناتج فعلها هو «التسبب» على المواطنين الذي أربكوا حياتهم إلى الحد الذي صاروا فيه لا يعرفون ما الذي يراد لهم. المعطيـــات كلهـــا تبيـــن أن الطريق مسدود، وأن السعي إلى تحقيق مثل هذه الأهداف خاسر، وبالتالي صار لزاماً علـــى «عقلاء المعارضـــة» أن يتخذوا قرارهم بالمواصلة أو بمراجعة النفس، والتوقف عن هذا الذي يقومون به، فإن اختاروا الأول ضاعوا وأضاعوا من وثق فيهم وظن فيهم خيراً و«تسببوا» على الناس، وإن اختاروا الثاني، فعليهم أن يعلموا أن لهذا المجتمع قواعد لا يمكن تجاوزها، وهي قواعد يعرفها المخطئ جيداً، فهذا المجتمع لا يمكنه أن يمرر مثل هذه الأخطاء بشكل خاص من دون أن يخضعها لأحكامه ويلزم مرتكبيها بتنفيذها. هنـــاك أخطـــاء كثيــرة وقعـــت فيهــا «المعارضة»، بعضها يمكن تجاوزه بشكل أو بآخر، وبعضها الثاني يصعب تجاوزه، أما بعضها الثالث فلا يمكن تجاوزه إلا بالاحتكام إلى شروط المجتمع البحريني الخليجي العربي الذي يفرض على المخطئ أموراً من دون قبوله لها، لا يمكن تغيير أي شيء، ويستمر الحال على ما هو عليه، ويستمر الألم. في مثل هذه الأحوال، الناس صنفان، صنف ينظر إلى البعيد، ويفكر في مصلحة الناس الذين نالوا ما نالوا بسببه، فيقرر وضع نقطة في نهاية السطر، ويتحمل بشجاعة كل ما قد يأتيه من مثل هذا القرار، وصنف يركبه العناد فلا يفكر إلا في مصلحته ومكاسبه ولا يهمه ما قد ينال الآخرين من قراره، فيواصل طريقه، ويزيد من كمية الشعارات التي يرفعها كي لا ينفض الناس من حوله. أما الفارق بين الصنفين فهو أن الأول يعمل سياسة والثاني بعيد عنها ولا يفهم فيها شيئاً.الأكيد أن «المعارضة» على اختلاف ألوانها تشعر اليوم أكثر من أي وقت مضى بأنها في مأزق، وأنه ليس أمامها إلا الاختيار بين هذين القرارين. وتحليلي هو أن الجمعيات السياسية بما فيها «الوفاق» يمكنها الذهاب إلى الخيار الأول، بل تفكر فيه، فهي بما توفر لها من خبرة في العمل السياسي لا تجد صعوبة كبيرة في التوصل إلى يقين بأن الطريق الذي قصدته غير نافذ، لكن هذه الجمعيات تخشى أن تداس من قبل من صارت عبارة «القوى الثورية» تطربهم، ولا يفهمون ألف باء العمل السياسي، فلا تجد بداً من تأجيل مثل هذا القرار الذي لم يعد يحتمل مزيداً من التأجيل.الوقت يمضي وبعض الفرص لا تتكرر.