العنوان أعلاه جملة ناقصة، تسبقها أربع كلمات، وبوضعها تكون الجملة كالتالي: «إن كنت صاحب قيم.. فستتعب حتى تموت»!في الغرب لو قلت هذه الجملة، لربما ضحك عليك كثيرون، ولربما اعتبرك بعض الباحثين في علم الإدارة مادة دسمة للدراسة، وبحث مكمن الدوافع التي قادتك لقولها. لكن في عالمنا العربي وللأسف، يعرف كثيرون معنى الجملة وبالصورة الدقيقة، لا يحتاجون لإيضاحات أو تفسيرات لها، فصاحب القيم لدينا وصاحب المبادئ لدينا من أولئك الذين يمكن لنا تصنيفهم على أنهم «مجانين» مع وقف التنفيذ، أو «مهووسين» بأمور هي من المستحيلات الشهيرة لدينا، مكانهم في الخيالات مع خيال الفيلسوف أفلاطون الذي تفتق عن أكبر حالة مستحيلة في تاريخ البشرية تحت مسمى «المدينة الفاضلة».في علم الإدارة وتحديداً في عالمنا العربي، صاحب القيم يعاني من ويلات كثيرة، قد تحوله في موقع عمله -إن لم يكن على رأس الهرم- إلى شخص تعيس ومهموم، وقد يصل إلى درجة متقدمة من الاكتئاب القسري، وتسوده حالة مزمنة من الإحباط.هذه حقيقة مثبتة، ولدينا من الأمثلة الكثير في مواقع أعمالنا، فقط التفتوا حواليكم لتجدوهم، بل ربما كنتم أنتم من نفس النوعية، نوعية الذين يريدون أن يعملوا بالمبادئ والقيم والأعراف الصحيحة وترقية أساليب العمل وتصحيح الأخطاء الحاصلة، لكن الواقع يصدمهم بأن لا شيء من هذه القيم متحقق على أرض الواقع، أو المصيبة الأكبر، المتمثلة بأن الوضع القائم لا يمثل بيئة صالحة لأي قيمة من هذه القيم لتبرز وتنمو وتزدهر، بل هو وضع خانق لأي مبدأ سليم.ليس تشخيصاً تشاؤمياً هنا، والتعميم كالعادة يظلم، لكن لو سلمنا بأن هناك بالفعل قطاعات تدار فيها القيم والمبادئ وتكون أسساً من أساسيات العمل، فكم نسبة الاستناد لهذه القيمة؟! هذا هو السؤال!حينما تسود المبادئ والقيم في أي بيئة عمل، لابد وأن نجد بالضرورة ترجمة واقعية لها على الأرض، لابد وأن يكون نتاج العمل بها محصلة إيجابية فيها قرب من تحقيق المثاليات والكمال المنشود، والكمال طبعاً لله وحده.هناك حالات في كل القطاعات، أفراد معدودون، أو حتى فرد واحد، ترونهم يقاتلون ويجاهدون في قطاعاتهم من أجل ترسيخ هذه المفاهيم، من أجل إعادة القيم إلى وضعها الطبيعي، ومن أجل بيان أن العمل بالقيم والمبادئ هو «الأساس» وهو «العرف» الذي يجب أن يسود، وأن الإخلال بها هو «الاستثناء» المرفوض والذي ينبغي محاربته والتصدي له.هل أنت من أصحاب القيم في عملك؟! هل أنت تسعى وتجاهد وتحاول ترسيخ هذه القيم، وتعمل بقوة لإبرازها وتوعية العاملين معك سواء رؤساء أو مرؤوسين بها؟!هذا سؤال مهم يجب على كل منا توجيهه لنفسه، وصدقوني من يعمل اليوم بدون وضع أي اعتبار للمبادئ والقيم، هذا إنسان «تائه» لا يعرف ما يريد، وهنا قد يقارعني القول من يقول بأنه يعرف ما يريد والذي هو متمثل بالمنصب والمال والترقية وتأمين المستقبل، وهذا بالفعل طموح البعض، لكن رغم ذلك هو طموح ناقص تماماً، إذ حينما أنظر لوضعي وكياني كشخص يفترض أن أكون وطنياً محباً لبلدي وتكون لدي الرغبة بأن أتحول لأداة من أدوات التصليح والإصلاح، فإن القيم لابد وأن تتقدم على أية اعتبارات أخرى، لابد وأن أعمل وفق مبادئ وأعراف وثوابت إن كنت أريد أن أقود القطاع إلى الإنجاز والتميز.البعض يظن بأن كسب الذات يكون بالمال والمنصب والبرستيج والمظاهر، لكن الحقيقة كسب الذات يكون أولاً بتحقيق الإنسان للاحترام لذاته ونفسه قبل أي احترام آخر، أن تكون قيمه ومبادئه هي محركاته وأساساً لمنطلقاته.ما أضاع «بوصلة» كثير من العمليات والمشاريع الناهضة التي هدفها الإصلاح والتنمية والتطوير إلا ضياع «القيم» وانحسار «المبادئ» وطغيان النزعات الشخصية والصفات السيئة مكانها.مثلما قال رسولنا الكريم بأن القابض على دينه مثل القابض على الجمر، فإن المتمسك بقيمه والثابت على أعرافه ومبادئه في مجتمعنا هذه الأيام كالقابض على الجمر، وهو من سيتعب حتى يموت، إلا إذا لطف الله وانصلح الحال.كن صاحب قيم ومبادئ، تكن نواة إصلاح في هذا الوطن الذي لا نملك أغلى وأعز من ترابه.
Opinion
ستتعب حتى تموت!
30 أبريل 2015