السؤال الذي يحير المواطنين والمقيمين هو من الذي يسمح للتجار وأصحاب المحلات بزيادة الأسعار؟ أي جهة هي المعنية بهذا الموضوع؟ لماذا لا يوجد نظام يحتم على كل من يرغب في زيادة أسعار المواد التي يبيعها العودة إلى جهة ما ليضع أمامها مبرراته في رفع الأسعار لتدرسها ومن ثم تقرر السماح أو عدم السماح له بذلك؟ما يحدث الآن يوحي بأن أمر رفع الأسعار مرتبط بـ «تصنيفة» التاجر، فهو الذي يقرر رفع سعر أي منتج لديه في أي لحظة، والواضح أن التاجر واثق تماماً من أنه لن يخضع لأي مساءلة لو أنه رفع سعر المواد التي يبيعها.قبل سنة دخلت مطعماً شعبياً ولاحظت أنه يبيع صحن الناشف ومعه خبزتين بستمائة فلس، زرته قبل شهرين فوجدت أن سعر نفس الصحن ارتفع إلى سبعمائة فلس، وعندما زرته قبل يومين وجدت أن السبعمائة فلس صارت ثمانمائة فلس، ما يعني أن صحن الناشف في هذا المطعم الشعبي سيصير بعد قليل بدينار، وهو أمر يخرجه من «الشعبي».يخبرني صديق أنه لاحظ أيضاً أن مطعماً يبيع الكباب رفع سعر الصحن من دينارين إلى دينارين ونصف قبل أن يرفعه إلى ثلاثة دنانير بعد فترة وجيزة، بينما يخبرني آخر بأنه اشترى تكة بنصف دينار أكلها في لقمة واحدة، ما يعني أن البعض دخل في لعبة التحايل كي لا يقال إنه رفع السعر.الأمر نفسه ينطبق على مختلف المواد الاستهلاكية «وغير الاستهلاكية كرسوم المدارس الخاصة وغيرها»، فهي في ارتفاع مستمر ومن دون ضوابط إلى الحد الذي صار أمراً عادياً أن تسأل ذا العلاقة عن سعر المنتج الذي كان قبل يومين بهذا السعر أو ذاك .عندما تسأل التاجر عن أسباب رفعه لسعر المواد التي يبيعها يقول لك ببساطة إن صاحب العقار رفع عليه الإيجار وإن العاملين لديه طالبوه بزيادة في رواتبهم وهددوه إن لم يفعل سيتركونه وإن رسوم الجمارك زادت وإن قيمة المواصلات التي يؤتى بواسطتها البضاعة من الخارج ارتفعت لأن التأمين عليها ارتفع، ويأتونك بألف سبب وسبب، دون أن يعني هذا أنهم غير محقين، وإن بالغوا.كــــل هــذا يستدعـي مــن المسؤوليــــن المعنييــن بهــذا الملــف دراســة هــذه المشكلة من جميع جوانبها، وتوفير الحلول المناسبة التي لا تظلم التاجر وفي نفس الوقت تخفف العبء عن المواطن العادي الذي تتأثر ميزانيته جراء مثل هذه الزيادات النارية في المواد الاستهلاكية.فــي وضـع كهذا من الطبيعي أن يتمنـــى المواطن ويطالب بزيادة الرواتب، لكن أي زيادة في الرواتب تنتهي قيمتها سريعاً إن لم تتم السيطرة على الأسعار، فما يحدث عادة هو أن التاجر يبـــادر إلى رفع أسعار المواد التي يبيعها فور سماعه بخبر زيادة الرواتب بل في بعض الأحيان فور إحساسه بأن شيئاً من هذا القبيل قد يحدث.كثير من المواد الاستهلاكية لا يتوفر المبرر الكافي لرفع أسعارها، لهذا ينبغي تحديد جهة تهتم بدراسة ومعالجة هذا الأمر، ذلك أن ترك الأمر هكذا نتيجته استمرار ارتفاع الأسعار والدخول في مشكلات اجتماعية واقتصادية لا حصر لها تؤثر سلبا على الحياة والتنمية.في مثل هذه المشكلة لا يسأل المواطن عن دور الحكومة فقط ولكن عن دور من انتخبهم ليمثلوه في مجلس النواب أيضا، ذلك أن بيد النواب السيطرة على هذا الموضوع من خلال التشريعات والقوانين التي تحمي المستهلك وتوفر له المنتجات بأسعار معقولة.المثير في الأمر هنا أن سعر أي منتج يرتفع لا يمكن أن يعود إلى ما كان عليه حتى لو زالت الأسباب التي أدت إلى ارتفاعه، فما ارتفع ارتفع.
Opinion
سر ارتفاع الأسعار
02 مايو 2015