قبل أي شيء دعوني أذكر لكم قصة حدثت معي قبل ثلاث عشرة سنة لأنها ستلخص الفكرة كاملة، كنت برفقة اثنين من زملائي داخل الجامعة، وكنا يومها في كلية التربية وكانت كلية الآداب قد أعلنت عن مؤتمرها العلمي السنوي، ونوينا نحن الثلاثة المشاركة فيه ببحوث علمية، أما زميلاي فكان أحدهما مرحاً صاحب نكتة، والآخر يظهر جدية في الكلام دوماً، وبجديته قال للأول ناصحاً «عليك الاهتمام بالبحث الذي ستشارك به حتى تستخدمه لأغراض الترقية العلمية أيضاً»، عندها وقف صاحبنا المرح ووضع حقيبته على الأرض وقال له مازحاً «وأي اهتمام.. والله كتبت بحث حتى أنا عندما أقرؤه لا أفهم منه شيئا!!» يقصد أنه تكلف في صياغة عباراته حتى أصبح بحثاً لا يفهمه إلا الضالعون في اللغة والعلم، حتى أنه شخصياً عندما يعيد قراءة ما كتب لا يفهم منه شيئاً لارتفاع مستواه ولغته.هكذا هم بعض الناس يتكلفون بالكلام من خلال انتقاء مفردات غريبة وغير دارجة، وما ذاك إلا لأحد سببين، إما أنهم يريدون أن يظهروا للآخرين أنهم في مستوى ثقافي مرتفع ويتحدثون بلغة عالية، أو أنهم على عكس ما يظهرون أصلاً، أي أن اللغة العربية ليست لغتهم ويريدون أن يثبتوا أنهم أهلها، هذه المشكلة يمكن تجاوزها إن كان المتحدث لا يمثل إلا نفسه أو في جوهر كلامه معنى وحقائق، وقتها سينشغل المستمع بالانتفاع من الكلام، لكن المشكلة إن لم يكن للكلام معنى واحتوى على مغالطات، كما هو حال وزير خارجية العراق الذي يتحدث بطريقة مثيرة للجدل ويذكر أموراً غير واقعية بعبارات لا معنى لها، منها وصفه حكومة العبادي بالملائكية! ولا أدري إن كان وزير داخليته «قائد الميليشيات» ظهرت له أجنحة الملائكة فجأة، وأما حديثه عن دجلة والفرات وأنهما ينبعان من إيران فيدل على أن الرجل لا يعرف جغرافية البلد الذي أصبح على قمة هرمه فجأة، ومرة قال نحن ننفتح على «داعش» بكل أعضائها، أي أنه ممكن أن ينفتح على أبي وهيب الفهداوي في جلسة تصاف، أما وقوفه في الكويت إلى جانب وزير خارجيتها في مؤتمر صحافي وهو يقول «منو راح يترجم منه لي ومني له؟» ووزير خارجية الكويت يضحك ويقول له «تكلم عربي.. تكلم عربي»، فهذه أعيت يونس شلبي في «مدرسة المشاغبين».وأما عباراته العجيبة فقد أعيت فلاسفة العرب واليونان عن تفسيرها، فهي بين المارد المعنوي الذي سيخرج من القمقم، ويهشم الزجاجة لحماية التجربة، وبين نظرية تجميد المختلف وتحرك المتفق، وأما الحب فوصفه بأنه «ليس تعبيراً عن شهونة العقل وأنه تعبير عن عقلنة الشهوة»، التي عندما كتبتها في المقال لم يقبلها برنامج وورد واعتبرها خطأً إملائياً، وعندما أراد التحرر من هذه العبارات وتحدث باللهجة الدارجة قال «أنا ما أخاف أحد أنا بايع ومخلص».ذلك لتعرفوا حجم الكارثة التي حلت بالعراق وشعبه عندما جاءت أمريكا بهذا وأمثاله ليقودوا العراق.