«أن تصل متأخراً خير لك من أن لا تصل أبداً»، هذا مثل أمريكي يفرح به البعض لأنه يوفر لهم المبرر الذي يكفيهم شر لوم أنفسهم حيث المهم أنهم وصلوا، وإن متأخرين. غير أن هناك حالات لا يصلح معها هذا المثل فما قيمة أن تصل مثلاً بعد أن غادر الجميع أو تم توزيع كل المتوفر من أي شيء؟ وما قيمة أن يقرر مدرب فريق كرة القدم إدخال لاعب جيد في الوقت بدل الضائع والفريق مغلوب بعدد من الأهداف؟فيما يخص مشكلتنا هنا سبق أن دعا كثير من العقلاء أولئك الذين اعتبروا أنفسهم في ثورة إلى مراجعة أنفسهم والعودة إلى جادة الصواب لكنهم لم يستجيبوا أبداً، وفي كل مرة كانوا يضعون جملة من الأسباب والشروط، لهذا فإن القناعة التي وصل إليها البعض أخيراً ودعا إلى التوقف للمراجعة بدت كما الدعوة الفارغة التي لا أرضية قوية تقف عليها ولا جدار يسندها، فقد جاءت متأخرة بل متأخرة جداً عدا أن من سيستجيب لها هي بعض الجمعيات السياسية التي للأسف لم يعد لها وزن في الشارع الذي للأسف أيضاً صار يتحكم فيه من يعتقد أنه يمكنه تركيع الدولة بتلك الإطارات التي يشعل فيها النيران كلما اشتهى ذلك.فات الميعاد هكذا غنت أم كلثوم وأضافت وبقينا بعاد. اليوم لا قيمة لمثل هذه الدعوة إلا إن استجاب لها كل من يعتبر نفسه معارضة وقوى ثورية يجلسون إلى بعضهم البعض ويقررون أن يراجعوا أنفسهم ويلتزمون بما تقرره عادات العرب وتقاليدهم والأعراف، عدا هذا فإن مفيداً لن يصلوا إليه ومكسباً لن يحققوه، وسينقلب عليهم الناس الذين أغروهم بشعاراتهم واستخدموهم كبيادق في حرب غير متكافئة فأخسروهم الكثير من حاضرهم ومستقبلهم ومن حاضر ومستقبل أبنائهم.ليس مقنعاً ما صرحت به إحدى الجمعيات السياسية بأنها تمتلك الجرأة لتراجع نفسها لأنها أردفت هذا القول بقول آخر أغلقت به الباب على نفسها وعلى الآخرين حيث قالت ما معناه أنه لو أن الآخرين يمتلكون نفس الجرأة ليراجعوا أنفسهم، فهذا تملص من الموضوع وقول يشبه قول من دعي إلى الإقلاع عن عادة سيئة كشرب الخمر مثلاً أو لعب الميسر بأنه مستعد لو أقلع الآخرون عن هذه العادات السيئة.الدعوة أساساً جاءت متأخرة ومع هذا يتعاملون معها بالفلسفة. الدولة في هذا الخصوص واضحة تقول إن تطاولاً حدث عليها وإن فريقاً من المواطنين سعى إلى قلب نظام الحكم وإن الشواهد على هذا كثيرة وإن محاولات هذا الفريق لم تتوقف على مدى أكثر من أربع سنوات وإنه كي تعود الأحوال إلى سابق عهدها فإن على ذلك الفريق أن ينفذ كل شروطها كونه المخطئ والمتجاوز وأول تلك الشروط الاعتذار وهو ما يعني أنه يعترف بأخطائه ويتعهد بعدم العودة إلى هذا السلوك ثانية.هذا هو موقف الدولة وإن لم يصدر عنها في جمل وعبارات لأن هذا هو «سلك العرب»، وللعرب عادات وتقاليد لا يحيدون عنها خصوصاً في مثل هذه الأمور لهذا فإن على الجمعيات السياسية ومن يعتبر نفسه قوى ثورية أن ينتبهوا لهذا الأمر جيداً ويأخذوه أساسياً لأي مناقشات بينهم، فمن دون هذا لا يمكن للدولة أن تهتم بأي دعوة أو تصريح يصدر عن أي جهة أو أي شخص.القصة ليست قصة مراجعة النفس، ولكن قصة اتخاذ قرار بوضع النقطة في نهاية السطر، لهذا فإن على الجمعيات السياسية وكل من يعتبر نفسه معارضة وقوى ثورية أن يتحلى بالجرأة التي يتطلبها الموقف وأن ينظر إلى مصلحة المواطنين لا إلى المصلحة الحزبية الضيقة.
Opinion
«المعارضة» وسلك العرب
04 مايو 2015