أصوات الناس والبشر غالباً ما تختفي وتتراجع خلف أصوات الطلقات والرمي والتفجير.هبة طفلة يمنية حوصرت في عدن تحت قصف الحوثيين فكتبت رسالة لجدها السياسي اليمني سالم صالح محمد نشرها سفير اليمن في البحرين السابق الصديق العزيز مصطفى النعمان في جريدة الشرق الأوسط وأعيد نشرها، فهي معبرة عن أسرة ابني مصطفى فاطمة وعبدالعزيز العالقين في اليمن ومرا بما مرت به هبة كما هو حال أبناء كل يمني يحمل ضميراً حياً محباً لليمن اغتصب الساسة الأنانيون أحلامهم ودمروها بجشعهم وتضخم ذواتهم وغرورهم وسفههم كما قال.هبة سالم كتبت: «صوت الموت.. تحولت المنازل إلى قبور.. كل منزل أصبح قبراً لسكانه.. محاصرون خائفون... مر شهر كامل لكنني أشعر وكأنها سنين طويلة.. كل يوم يعيد نفسه.في كل يوم تشرق الشمس ويشرق فينا أمل جديد فقط ليتحطم بداخلنا ويغرب مع الشمس..ما أجمل الأمل، أقول في كل صباح وأنا أشعر بالسرور.. دائماً أشعر بقوة وعزيمة معه لكنه لا يصمد طويلاً؛ فسرعان ما يأتي الغروب، ذلك الغروب نفسه الذي يخطف أنفاس العشاق.. ذلك الغروب نفسه الذي نراه في اللوحات ويسرق إعجابنا.. ذلك الغروب نفسه هو الذي يسرق أملنا ليتركنا وحيدين في ظلام الليل الحالك مع صوت الموت.خرجت أمي من المطبخ وقد أنهت تحضير الغداء لتجلس على الأرض في غرفة كانت في السابق مكتباً لأبي، لكن صراعات وطني جعلتها ملجأ لنا.. نتحدث فيها ونشاهد التلفاز فيها، نأكل وندعو الله وننام فيها.. نظرت إلى أمي، وكم صرت أكره النظر إلى وجهها، ذلك الوجه الجميل الذي كلما كبرت في السن زادت نضارته وحسنه، قد كبر مائة سنة في شهر واحد فقط، كرهت النظر إلى وجهها لأنه في كل مرة أنظر لها لأستمد قوتي منها، أرى في عينيها الخوف يصارع الحنان ويهاجم صلابتها، كم تغيرت أمي، وكيف لا تتغير وهي تحل مكان أبي؟ أبي؟ وماذا أكتب عن أبي؟ لن أكتب لأنه لا توجد كلمات تصف أبي، بل ما أجمل الكلمات التي تصف أبي! أين أجد مثلك يا أبي؟ كم لعنت اليوم الذي سافرت فيه! ويا لسخرية القدر كدت أموت من الفرح لسفرك وأترقب عودتك لنا سالماً محملاً بالهدايا لترى البسمة على وجوهنا، وها أنا اليوم أعلم بأن لقاءنا سيطول ولن نجتمع في القريب العاجل، وليتك تعلم كم أن صوتك في الهاتف يهدم قوتي ويجعلني أريد أن أتكور على فراشي وأبكي، كم أريد أن أبكي يا أبي، أريد البكاء إلى أن أنام، ولكن أنى يأتيني النوم وصوت الموت لا يتوقف؟أطفال وشباب وعجزة ذهبوا ضحايا الحرب ودفنوا تحت تراب وطني.. وطني يؤلمني، كم حاولت طرد الذكريات الجميلة التي تطاردني، جمال تلك الذكريات لا يسبب إلا عصرة ألم في قلبي، كم ندمت على كل مرة لم أردد نشيدك في المدرسة، كم أتوق إلى أن أردده بصوت مرتفع وبكل فخر، كم ندمت على كل مرة فكرت في أن أغادرك بدون رجعة، لن أكذب يا وطني، إنني أبحث عن وسيلة لمغادرتك، ولكن حتى ذلك يؤلمني، تلك الفكرة التي كانت تبعث السرور في نفسي أصبحت فكرة أمقتها لأنني أعلم أنني لن أعود في القريب العاجل، وأعلم أن فراقنا سيطول وكم يصعب علي ذلك، من المؤسف أن أقول بأني أدركت حبي لك الآن، أصوات الموت التي تدوي في شوارعك قد أيقظت شعوري بالانتماء يا وطني». انتهت الرسالة لنسمع أصواتاً يمنية أخرى هذه المرة يتردد أصداؤها في البحرين فقد أطلق شباب بحرينيون وعرب مبادرة شبابية تطوعية عنوانها «ساندوهم» تهدف إلى مساعدة اليمنيين العالقين في البحرين.وقال عصام القراضي رئيس المبادرة «نحن شباب بحرينيون وعرب، كونا فريقاً لمساعدة ضيوفنا»، وأضاف «إن ساندوهم مبادرة خرجت للنور بعد أن سمعنا ما آل إليه حال أهلنا نتيجة للوضع في اليمن، مؤكداً أن الفكرة لم تأت تكرماً ولا عطفاً، فهي واجب ديني وأخلاقي وإنساني، وما قمنا به هو ما تربينا عليه ما تعلمناه».واستطاعت المبادرة حتى الآن توفير سكن متواضع لثلاثة عالقين من أصل عشرة وصلوا للبحرين عبر إحدى شركات الطيران، وتأمين مبالغ رمزية للإخوة العالقين.وأضاف علي باحاج أحد أعضاء المبادرة «مبادرتنا تركز على تقديم الدعم النفسي والاجتماعي ولا تغني أبداً عن الدور الرسمي والحكومي المنشود في معالجة ملف الإخوة العالقين». مبيناً «نحن لا نستطيع تأمين منحهم الإقامات الرسمية أو تأمين الرعاية الصحية لهم، وغير ذلك من متطلبات الحياة الأساسية والتي هم في أمس الحاجة لها».وناشدت مبادرة «ساندوهم» صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء حفظه الله، التوجيه بتأمين عيش كريم وتسهيل إقامة إخوته وأبنائه اليمنيين العالقين بالمملكة إلى حين عودتهم لأهلهم وديارهم سالمين، مشيرة إلى «ما تعودناه من سمو رئيس الوزراء في مثل هذه الظروف الإنسانية الصعبة والمعقدة» جريدة الوطن أمس الإثنين.تلك أصوات يمانية لا تحمل كعادتها إيقاع المراويس ولكنها تحمل أحزان البشر التي نأمل ألا يطول أمدها ليعود الأمل لصنعاء وباقي الحواضر اليمانية.
Opinion
أصوات يمانية
05 مايو 2015