المتابع للتطورات في البحرين يلاحظ أن أصحاب العمائم هم الذين باتوا يتصدرون المشهد ويقدمون أنفسهم على أنهم هم من يقود «الحركة الوطنية» ومن يدفع الثمن ويقود إلى النصر، وأن الجهد الآخر -أياً كان ومن أي جهة- تحصيل حاصل؛ بل إنه دون القيمة وغير مفيد، وأن من يبذله لا ينظر إلا إلى مصلحته الضيقة وبالتالي لا يمكن الاعتماد عليه. هؤلاء يؤمنون أن الجمعيات السياسية -ربما باستثناء الوفاق أو بعض منها- لا تتردد عن تقديم التنازلات عند ضمانها مكاسب صغيرة، وبالتالي فإنه لا يمكن الاعتماد عليها، يستدلون على ذلك بالدعوة الأخيرة للتوقف بغية المراجعة وتقييم ما جرى خلال السنوات الأربع الماضية، فهم يعتبرون مثل هذه الدعوات خيانة و»فرصة للحكومة كي تلتقط أنفاسها» وأداة لشق صفوف «المعارضة»، سواء كان أصحاب الدعوة يعلمون أو لا يعلمون. هؤلاء المشايخ يعتقدون أن محاولة الجمعيات السياسية «اليسارية أو التقدمية» الالتصاق بجمعية الوفاق التي يسيطرون عليها الهدف منها تغطية عجزهم وعدم قدرتهم على تقديم ما ينفع «القضية» وجعلها تحارب عنهم بالوكالة. هم يدركون أن تلك الجمعيات السياسية تؤمن بأن الدين قوة اجتماعية مؤثرة في هذا المجتمع، وأن الالتصاق بالوفاق سيوفر لها فرصة الظهور بمظهر المعارض والمحارب الذي يأبى أن يترك سيفه، وبالتالي تبقى في عيون الجمهور بطلاً وإن لم تتحمل أي خسائر. تفسير هؤلاء المشايخ غير بعيد عن الواقع؛ حيث الجمعيات السياسية المحسوبة على اليسار صارت تشعر بأنها على الهامش وأن قيمتها تدهورت ورصيدها الجماهيري يقترب من الصفر، وبالتالي فليس لها من مخرج سوى أن تركب على ظهر الوفاق ومن يرفع راية الدين فتقول بكل ما تقوله الوفاق وما يقوله أولئك المشايخ الذين يعرفون جيداً الحال التي صارت فيها تلك الجمعيات، ويعرفون أنه لا يمكن الاعتماد عليها حيث يمكن أن تعطي تنازلات في أي وقت كي تضمن البقاء في الساحة. جمعية الوفاق ومشايخها لا يثقون في الجمعيات السياسية الأخرى مهما قالت ومهما التزمت بالشعارات المرفوعة. هم يعرفون تماماً أنها تلتصق بهم كي تظل على قيد الحياة وأنها لو لم تفعل ذلك لانتهت منذ زمن. وللأسف فإن كل هذا صحيح، وهو يعني أن من يتحكم ويتسيد «المعارضة» هم أولئك المشايخ ومن يقف وراءهم من «قوى ثورية» تتعدد أسماؤها، ومنظمات سياسية دينية تنتشر في لبنان والعراق وسوريا، ودول لن نقول إنها إيران كي لا يعرف أحد بذلك! لم يعد لتصريحات الجمعيات السياسية التي اختارت أن تلتصق بجمعية الوفاق أي قيمة أو تأثير؛ فقد انفض الجمهور من حولها، ولن يكون بعد قليل لتصريحات جمعية الوفاق أي قيمة أو تأثير لأن من بقي من جمهورها سينفض من حولها. القيمة والتأثير في الجمهور تقتصر الآن على أصحاب العمائم الذين يحاولون أن يركبوا الموجة ويتسيدوا المشهد، لأنهم يدركون أنه في مثل هذه المرحلة التي يشعر فيها جمهور أولئك الجمعيات السياسية بالضياع لا سبيل غير اللجوء إلى تلك القوة الاجتماعية المؤثرة في المجتمعات النامية وهي لغة العواطف.كل ما يتم رفعه في هذه الفترة من شعارات ديني بحت، والهدف منه واضح، لكن هذا الفعل رغم قوته لن يوصل إلى ما يريدون الوصول إليه، والسبب هو أن هؤلاء المشايخ يفتقرون إلى التجربة السياسية ولا خبرة لهم في هذا المجال، أي أنهم إن نجحوا في الخطوة الأولى لن يتيسر لهم النجاح في الخطوة الثانية التي لا ينفع معها العواطف ولا يمكن أن تقنع الجمهور إن لم تحقق لهم مكاسب ملموسة، وهذا أمر يبدو مستحيلاً في مثل هذا الوضع والتطورات المتلاحقة التي تشهدها المنطقة.