هم كثر بطبيعة الحال أعداء الدولة المدنية، ولأنهم يجهلون حقيقة وطبيعة وتركيب هذه الدولة الحديثة والمتطورة، نجدهم يسعون للاختباء خلف دولة دينية أو مذهبية أو طائفية ذات توجهات عقائدية أو سياسية أو حزبية، حتى وإن كانت كل شعاراتهم تتوارى لتحقيق قيم الدولة المدنية في دولتهم اللامدنية.حين تسعى الجماعات / الإثنيات التي تتكون منها الدولة إلى فرض قيمها وشخصيتها على الدولة، فإننا سنصطدم بمجتمع يحاول عبر تلك الجماعات / الإثنيات، أن يثبت وجوده العقائدي أكثر من انتمائه الوطني، وستكون المعركة المستمرة هي معركة وجود بالنسبة إليهم خوفاً من انتصار الجماعات الأخرى على جماعة تختلف معهم في كل التفاصيل.لا يمكن أن يستظل المجتمع الحديث تحت مظلة الدولة الدينية أو الطائفية، إذ سيشعر أفراد ذلك المجتمع بمجموعة من الفروقات، إما أن تجعله في المقدمة أو أن تقذف به في المؤخرة، وفي كلتا الحالتين تنتفي العدالة الاجتماعية من عمق الدولة لتتحول بعد ذلك الدولة إلى مجموعة من الكانتونات الطائفية الممزقة.إن الأفراد والجماعات التي تتشبث بفكرة الدولة الدينية أو بفكرة دولة الأغلبية، فإنهم يدركون أن كل الحظوات والامتيازات التي يتمتعون بها في ظل دولتهم الضيقة ستنهار حين يطالبون بدولة مدنية تسعى لفرض المساواة والعدالة على كل أفراد المجتمع بمسطرة القانون، ولهذا نجدهم يقاتلون في رفض الدولة المدنية، والدعوة إلى الدولة الدينية التي تؤمِّن لهم كل الامتيازات؛ تارة باسم الإله ومرات كثيرة باسم الدين.الدولة المدنية هي" الدولة التي تحافظ وتحمي كل أعضاء المجتمع، بغض النظر عن انتماءاتهم القومية أو الدينة أو الفكرية. هناك عدة مبادئ ينبغي توافرها في الدولة المدنية والتي إن نقص أحدها فلا تتحقق شروط تلك الدولة، لعل أهمها، أن تقوم تلك الدولة على السلام والتعايش وقبول الآخر والمساواة في الحقوق والواجبات، بحيث إنها تضمن حقوق جميع المواطنين، ومن أهم مبادئ الدولة المدنية ألا يخضع أي فرد فيها لانتهاك حقوقه من قبل فرد آخر أو طرف آخر. فهناك دوماً سلطة عليا هي سلطة الدولة التي يلجأ إليها الأفراد عندما يتم انتهاك حقوقهم أو تهدد بالانتهاك. فالدولة هي التي تطبق القانون وتمنع الأطراف من أن يطبقوا أشكال العقاب بأنفسهم. كذلك من مبادئ الدولة المدنية الثقة في عمليات التعاقد والتبادلات المختلفة، إضافة لمبدأ المواطنة والذي يعني أن الفرد لا يُعرف بمهنته أو بدينه أو بماله أو بسلطته، وإنما يُعرف تعريفاً قانونياً اجتماعياً بأنه (مواطن)، أي أنه عضو في المجتمع له حقوق وعليه واجبات. وهو يتساوى فيها مع جميع المواطنين".حين نتحدث عن الدولة المدنية، فإننا نتكلم عن الاستقرار وقطع الطريق على كل مجانين الطوائف وأصحاب المصالح الشخصية والضيقة، أما في حال الدفع باتجاه فرض الدولة الدينية بكل أشكالها، فإننا نقوم بتقويض كل أُسس العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص، وهذا مالا ينبغي فعله في القرن الـ21.