للأسف؛ فإن عقلية من هذا النوع غائبة عن "المعارضة" هنا، لهذا تسببت في إهدار الكثير من الفرص التي يمكن لو تعاملت معها بعقلية استغلال الفرص لأكلت من فوقها ومن تحت أرجلها ولتمكنت من الإسهام بفاعلية في عملية الخروج من المأزق الذي صار فيه هذا الوطن الذي عانى كثيرا على مدى السنوات الأربع الماضية بسبب التعامل مع الأحداث بعقلية لا تتناسب معها وتعبر عن غياب الحكمة والخبرة والتجربة، وغياب الرؤية.في السابق أهدرت الكثير من الفرص ذات العلاقة بالحوار لأسباب غير مقنعة، وأهدرت العديد من فرص اللقاء مع المسؤولين بالدولة عبر وضع كمية من الشروط التي من شأنها أن تخرب كل مبادرة وتقتلها في مهدها، واليوم تعطي مثالاً جديداً على غياب عقلية استغلال الفرص التي تتميز بها، فبدل أن تشكر وتثني على المكرمة الملكية بإطلاق سراح مجموعة من المسجونين لأسباب إنسانية ممن قضوا نصف محكومياتهم؛ نجدها تتعامل مع الموضوع وكأنه تحصيل حاصل، وتبدأ في وضع الشروط ورفع سقف المطالب وتحريض أهل القرى على الخروج في مسيرات تطالب بإلغاء كل الأحكام القضائية، ولا تتوقف عن التحليلات غير الواقعية وغير المنطقية والقول إنه لولا أن للدولة مصلحة في إطلاق سراح هؤلاء لما أقدمت على هذا الفعل، وربطت المكرمة بلقاء قادة التعاون بأوباما في كامب ديفيد وبقصص أخرى كثيرة لا يمكن لعاقل أن يتفاعل معها أو يصدقها. لو كانت هذه "المعارضة" تنظر إلى البعيد لأثنت على خطوة الدولة لا بإصدار بيان مؤيد لها فقط ولكن بزيارة إلى قيادة الدولة للتعبير عن الرضا والقول إن الخطوة مشكورة وأنها تأمل أن تتبعها خطوات أخرى، ولتكون هذه الزيارة بمثابة الإعلان عن بدء المرحلة الجديدة التي يمكن أن تحقق من خلالها الكثير من المكاسب للمواطنين الذين ترفع شعار الارتقاء بحياتهم المعيشية والسياسية. للأسف هذا النوع من الفهم والتفكير بعيد عنها، وهذا أمر طبيعي بعدما تركت القيادة لمن لاعلاقة له بالسياسة وصارت تطرب لكل صوت ناشز تعتقد أن الشارع يطرب له. في وضع كالذي صرنا إليه، وأمام مبادرة كريمة من الدولة تمثلت في مكرمة ملكية ارتاحت لها كل المنظمات الدولية ذات العلاقة، كان يفترض من "المعارضة" أن تتوقف هنيهة لتراجع موقفها وتضع حداً لتهورها وتتفاعل مع المبادرة بطريقة تقنع كل من لها علاقة به في الداخل والخارج بأنها على قدر المسؤولية، وأنها تعرف كيف تستغل الفرص وتحقق المكاسب للناس الذين تقول إنها خرجت رافعة مطالبهم. ليس معقولاً أن تفوت مبادرة كهذه التي أقدم عليها العاهل المفدى، خصوصاً أن جلالته لم يأخذ بكل الأصوات المتحفظة على مثل هذه الخطوة وقرر أن يمضي في قراره ليوفر مثالاً عملياً على أن الدولة لا تعادي أبناءها، وأن كل ما تريده منهم هو أن "يعقلوا" وينظروا بواقعية إلى الأمور ليعرفوا أن ما قاموا ويقومون به يعرضهم للمخاطر ويعرض الوطن للأذى، خصوصاً في هذه المرحلة الصعبة التي تعيشها الأمة العربية قاطبة، فما يجري في المنطقة وقريباً من دارنا يهدد الجميع، ولا يمكن التعامل معه إلا بالعمل معاً؛ قيادة وحكومة وشعباً، كي لا يصيبنا ما أصاب الآخرين وكي نتفرغ لبناء مستقبل أبنائنا. قلة تقدير شاغلي هذه الخانة لخطوة الدولة يعني أنها لم تعد جديرة بأن تقود مثل هذا الحراك الذي يفترض أنها تريد به الارتقاء بالوطن والمواطن، لذا ينبغي من الشخصيات البحرينية العاقلة والحكيمة والمؤثرة، والعوائل المعروفة أن تفرض نفسها وتتفاعل مع التطورات وتتحمل مسؤوليتها التاريخية وتترك جانباً السلبية التي آثرت أن تسكن فيها وتبيت، فالمواطنون تعبوا وملوا ويبحثون عن البديل.