بالأمس تحدثنا عن ضرورة الدولة المدنية باعتبارها المظلة الحقيقية لحفظ الحقوق وصون كرامة الإنسان، كما أن الدولة المدنية جامعة لكل الإثنيات وفق مسطرة القانون واحترام حقوق الإنسان، بغض الطرف عن هويته وانتماءاته وعرقه.ربما هنالك الكثير من الإسلاميين، أصحاب المشاريع الدينية أو السياسية وفق كل الاتجاهات، يطرحون مشروعاً مقابل مشروع الدولة المدنية، ألا وهو مشروع «الوحدة الإسلامية»، ذلك الحلم الذي كان يراود الكثير من أبناء الحركات الإسلامية في العالمين العربي والإسلامي، تمهيداً لطرح فكرة «الدولة الإسلامية الكبرى» أو فكرة «الخلافة الإسلامية»، لأن إيمان هؤلاء بالدولة المدنية لم يعد كافياً لأجل البحث عنها في ركام الفوضى التي لم تهدأ بعد، منذ أن بدأ ما يُسمى «بالصحوة الإسلامية» وحركات التحرر الإسلامية وحركات التجديد والنهضة في العالم الإسلامي حتى وقتنا الراهن.على الرغم من تحفظنا الشديد على الكثير من مشاريع الحركات الإسلامية، وبغض الطرف عن كل الشوائب والويلات التي صاحبت تلكم الحركات، إلا أننا سنقبل ولو بالقليل من النجاحات المتوقعة من جهة الإسلام الصحوي، لكن الواقع الديني والمذهبي المتصلب فرض على العالم الإسلامي حالة من الضياع والتناحر، على العكس مما كان يُطرح في مؤتمرات التقريب بين المذاهب الإسلامية قاطبة، والتي بدأت منذ مطلع ثمانينات القرن المنصرم، وحتى قبل مشروع الربيع العربي، لكنها مُنيت بفشل ذريع جداً.نحن سنقبل بالوحدة الإسلامية ليس كبديل «للدولة المدنية»، وإنما كحالة اجتماعية يمكن أن تتيح الكثير من المساحات لكافة المذاهب في التعبير عن نفسها دون مضايقة الآخر، وهذا تماماً ما جاء في تعريف الوحدة الإسلامية التي هي «تقارب الفرق الإسلامية فيما بينها، مع الاحتفاظ بكياناتها وماهياتها، أي، الحفاظ علي الأصول المشتركة وإطلاق الحرية لكل فرقة في الفروع الخاصة بها، بمعنى عدم التخاصم والنزاع فيما بينها، بل يعني اطلاع الجميع علي معتقدات الجميع، بحيث لا تكون كل فرقة شديدة الحساسية بالنسبة إلي معتقدات الفرق الأخري، وطريق الوصول إلي ذلك الهدف هو الاستناد إلي العقل والمنطق و تجنب كل الانفعالات العابرة والعصبيات الجامحة».لم تنجح الحركات الإسلامية والصحوية ولا كل مؤتمراتها عبر أكثر من ثلاثة عقود في ترسيخ مشروع الوحدة أو الصحوة في عالمنا الإسلامي، بل إن مشروع الوحدة الإسلامية الذي لم نشاهده إلا على «الورق»، لم يستطع أقطابه حتى هذه اللحظة تمرير ديباجة المشروع فضلاً عن بنوده وروحه وقيمه على أرض الواقع، أو حتى بين دعاته من مختلف المذاهب الإسلامية، لأسباب واضحة كلنا يعلمها.إن فشل مشروع الوحدة الإسلامية، والذي تبين بعد أكثر من ثلاثين عاماً من انطلاقه أو أكثر، أنه لم يتعد في كونه مساحة جيدة للمجاملات المذهبية، دون أن يدخل إلى عمق الواقع المتخلف لإصلاحه أو معالجته بطريقة علمية ومنهجية. هذا الأمر، يجعلنا أكثر تمسكاً ورغبة في تبني مشروع «الدولة المدنية»، تلك التي فصلناها في مقالنا السابق. فالدولة المدنية دولة جامعة للجميع، مانعة لكل أشكال الظلم، وهذا الذي يسمى اليوم «بالدولة الحديثة».