إيجابي جداً ما نراه في الفترة الأخيرة من عرض لأرقام ونتائج وسير العمل من قبل بعض القطاعات الحكومية والوزراء، والجيد أن بعض هذه الأرقام والتوضيحات تنشر رداً على تساؤلات يطرحها مجلس النواب.وفي هذا الشأن، بودي لو يتبنى النواب ملفاً يعنى بالخطة الاستراتيجية العامة للدولة، وما يتفرع منها من خطط استراتيجية لكافة القطاعات، ينبغي أن يكون اتجاه حراكها متجهاً في تحقيق الرسالة العامة للدولة والرؤية المرسومة لأجل تنظيم العمليات وضمان تحقيق الأهداف.أترك للنواب الجادين التفكير في هذا الشأن، وأعرج مجدداً على مسألة رفض قبول العيش في «تخدير» الشعارات الممارس للأسف وبشكل طاغ في عدة قطاعات بالدولة.اليوم فقط نريد إجابات واضحة ومباشرة بعيدة عن اللف والدوران، هل أنتم تخططون استراتيجياً بالفعل؟! أم أن كلمة «التخطيط الاستراتيجي» بات استخدامها لازماً لأجل «تزيين» شعارات هذا القطاع أو ذاك، كإكسسوار لابد منه؟!الفكرة هنا في كيفية وضعكم لهذه الخطط الاستراتيجية وهل تتم على أسس أم لا؟! بالتالي من المفيد جداً أن نستذكر دوماً الآليات الصحيحة بناء الاستراتيجيات والتي هي موجودة في عديد من الأدبيات والكتب المعنية بالإدارة، والتي كثيراً ما نفاخر بأننا نقرأها، لكن الواقع يقول بأننا لا نطبقها أبداً.لابد قبل البدء في أية عمليات، أن توضع خطة استراتيجية مدروسة، ترسم وفق الأهداف المطلوب تحقيقها، وأن تكون لها محددات ومؤشرات قياس.وهنا ينبغي الحذر من وضع خطط استراتيجية أضخم وأكبر من الدور المطلوب القيام به، وإلا أسهم ذلك في ضياع البوصلة وتشتيت الجهود، وللأسف هذا الخلل دائماً ما نقع فيه، نحلم أحلاماً كبيرة، بينما نعجز عن تحقيق أدنى نسبة منها.لابد مع وضع الخطة الاستراتيجية أن تشرك جميع القطاعات والأفراد فيها، إذ لابد أن يسهم الجميع فيها ليكون لديهم التزام مسؤول بها، وهنا نبحث عن حقيقة وجود مشاركة للجميع فيها أم أنها وضعت بتفرد وبحسب رؤى أشخاص يملكون الصلاحية، ويعملون بأسلوب «نشوف اللي ما تشوفونه»؟!أيضاً من الخطأ الكبير وضع خطة استراتيجية دون النظر للماضي وتشخيصه ومعرفة الأخطاء وأوجه القصور، إذ الخلل والفشل هو السبب الذي يجعلنا نأتي بخطط استراتيجية بغية تحسين العمل.ولا ننسى بأنه عند وضع خطة استراتيجية لابد وأن يؤمن بها الجميع حالها حال الرؤية والرسالة، وإلا فإن الخطة ستظل حبراً على ورق.في حين أن الخطط الفاعلة تحتاج لمنفذين جيدين وأشخاص فاعلين، لذلك اختيار الأفراد والفرق أمر مهم في إنجاح أي خطة، ولهذا نقول دائماً بأن الخطة لابد وأن تكون لديها عوامل قوة، ويجب أن ينتاب منفذوها دائماً هاجس الخوف من السقوط.البعض يفشل في وضع الأهداف، لأنه ببساطة يخطط بطريقة مقلوبة، فالأهداف لابد وأن تبنى على المشاكل التي يجب حلها، بالتالي التخطيط الاستراتيجي يجب أن يعمل على إزالة العوائق، كما أنه لابد وأن تكون هناك مرونة في تطبيق الخطة، وإلا فإن المتغيرات حولنا قد تقودها للانهيار.نحن نبرع في التنظير بشأن التخطيط الاستراتيجي، لكننا لا ننتبه إلى وجود تحديات ومعوقات عديدة، هي التي تجعل «التخطيط الاستراتيجي» مجرد «ترف إعلامي» يمارس كلامياً ومفرغ تماماً من الفعل.عدم اقتناع جميع أفراد المؤسسة بالخطة الموضوعة، خاصة إن كانت هناك أطراف لم تشارك في صياغتها، أكبر خطر يتهدد الخطة الاستراتيجية.التأثيرات الخارجية والقرارات الطارئة قد تفرغ الخطة من مضمونها وتجعلها مجرد خطة على ورق غير قابلة للتنفيذ، ولهذا شواهد عديدة.ومن التأثيرات، تقليل الموارد والموازنات مثلما حصل مؤخراً بشأن خفض نفقات الحكومة، هذه المسألة يمكن لها أن تنسف الخطة بشكل كامل.الانغماس في المشاكل ومحورة العمل اليومي عليها، لا على الإنجاز وتنفيذ مراحل الخطة، هذا ديدن كثير من القطاعات، والذين يترك مسؤولها العمل للإنجاز ويركز على المشاكل سواء بابتكارها أو حلها.ومن الأمور الخطيرة، عدم واقعية الخطة مع الوضع القائم، يجعل الدولة وقطاعاتها تعمل وكأنها في عالم آخر، في حين يأتي التساهل في المتابعة ورصد مؤشرات الأداء ليدمر أي طموح لأي خطة ويقود الدولة وقطاعاتها إلى الهزال في الإنتاج والتطوير.وعليه نقول، بأن كل مسؤول يورد مصطلح «التخطيط الاستراتيجي» عليه أن يثبت بأنه بالفعل مدرك لكيفية يكون التخطيط الصحيح، والأهم عليه أن يبرهن بأن أداءه وعمله قائمان على التخطيط من خلال بيان الأرقام وما تحقق من إنجازات.زبدة القول.. مللنا شعارات وسرد لمصطلحات كبيرة في مضامينها ورنانة في أسمائها، بينما تطبيقها والالتزام بها فعلياً وحرفياً بعيد عنا بعد الشمس عن الأرض، والسبب في الأدوات والأشخاص الذين لا يملكون مؤهلات تجعلهم أدوات نجاح.