قبل نحو تسعة أعوام، وفي حديث جانبي مع أحد أعضاء المجالس البلدية آنذاك حول ازدحام الشوارع، قال لي: «لو استمر وضع إعطاء رخص السواقة للجميع دون استثناء، إضافة لعدم تقييد الدولة لأعداد السيارات التي تسير فوق شوارع البحرين وفتح الباب لها بشكل مطلق، ناهيك في عدم تطوير الشوارع وعدم خلق أفكار ومشاريع جديدة للطرق والمواصلات العامة، فإن المنامة بعد عشرة أعوام ستتحول إلى مقبرة للسيارات». اليوم، ربما صدقت أو اقتربت نبوءة العضو البلدي، فالبحرين كلها وليس المنامة فقط تحولت لمقبرة للسيارات، إذ إنها تجاوزت أعدادها نصف نسمات البحرين، أما الشوارع فإنها تطورت بشكل سلحفائي مزعج، وبين فشل الجهات المعنية في خلق فرص لتطوير شبكة المواصلات وبين تكاثر أعداد المركبات التي تخرج للشوارع كل يوم، بات الأمر لا يطاق، فشوارعنا أصبحت مضيعة للوقت، بل لا نبالغ إذا قلنا إنها غير صالحة للاستخدام الآدمي.المنامة وضواحيها، المحرق ومناطقها، شارع البديع بتفاصيله المملة، والرفاع بزحامه اليومي المعتاد، وجسر سترة وشارع الخدمات وبقية المناطق المحيطة به، المنطقة الدبلوماسية صباحاً، إضافة لما يسمى زوراً وكذباً بالشوارع السريعة «هاي وي»، وشوارع ومناطق أخرى لا يسع المجال لذكرها، كل ذلك وأكثر جعل من استخدام السيارة ولو «للمشاوير» المهمة، مرض يومي، وهم من هموم المواطنين والمقيمين معاً. ما يحدث اليوم من اختناقات مرورية تمتد من الفجر حتى منتصف الليل في الكثير من مناطق البحرين، بات أمراً لا يصدق، فكل الساعات أصبحت ساعات «ذروة»، وكل الشوارع والمناطق باتت تشكل ضغطاً رهيباً على مستخدمي الطرق، ومئات الآلاف من الساعات تضيع كل يوم من أعمارنا، والسبب عدم الرغبة الجادة في انتشال شوارع البحرين من غرق السيارات، حتى تحولت كل المدن والقرى والشوارع إلى مقبرة لها.إن الاختناقات المرورية التي تواجه كافة الفاعلين في المجتمع كل ساعة بل كل دقيقة، خصوصاً رجال الأعمال والمستثمرين والموظفين وبقية الكسبة، يجعل فرص الاستثمار في البحرين غير واضحة وخطرة، وهذا بدوره يشكل خطراً آخر على حركة الأسواق والاستثمار، مما يضر بشكل غير مباشر بالاقتصاد الوطني.اليوم ولأجل تدارك «الموقف / الكارثة» يجب على الدولة ومن تحتها كل الجهات المعنية بهذا الأمر أن تسارع قبل فوات الأوان في تطوير شوارع البحرين، وخلق شبكة ضخمة للمواصلات، إضافة لفرض مجموعة من القيود على حركة السيارات، وذلك وفق رسم استراتيجيات طويلة الأمد من طرف المسؤولين والدوائر المعنية بهذا الشأن، فما نشاهده في شوارع البحرين من ازدحامات مرورية خانقة ومن شوارع قديمة بالية، يدفعنا للحديث عن أزمة جديدة ستواجه البحرين لا تقل خطورة عن بقية الأزمات الأخرى، إن لم تكن من أخطرها، فهل من مجيب أو مدرك؟