بعد أسبوع من وصولي منطقة «ابرق الكبريت» السعودية على حدود الكويت نوفمبر 1991م، بدأ رجال فرقة المارينز الثانية الأميركية «2nd Mrdiv» الذين التحقت بهم يألفون وجودي، ولم يكن مقبولاً منهم أن يتلقوا الرسائل والبعائث البريدية دون أن يصلني شيء، ثم انهمر عليّ سيل طرود مشابهة لما يصلهم، من رجال ونساء وطلاب مدارس وأطفال لا أعرفهم محملة بالرسوم الوطنية وكروت رفع المعنويات.لقد كتب أحد رفاق السلاح الأمريكان بعد أن أشفق على وحدتي لمنظمة الخدمات المتحدة «USO»، وهي منظمة أميركية غير ربحية توفر برامج وخدمات وعروض حية للترفيه عن الجنود الامريكان منذ أكثر من قرن في كل مكان يتواجدون فيه، وأشك في أن رجالنا في عملية «عاصفة الحزم» و«إعادة الأمل» يتلقون رسائل وكروت دعم معنوي من أهل الخليج، حيث لم أشاهد إلا حفل قبيلة «يام» في نجران يذبحون الجمال والخراف ويرددون أهازيج وطنية لرفع معنويات جنود متوجهين للحدود.ولاشك أن رجالنا يتشاركون، يتحابون ويتعاضدون فيما بينهم، رغم اختلاف أوطانهم لثقتي الكبيرة في مفهوم رفقة السلاح، لكنني بالقدر نفسه أعرف قصور ثقافة دعم المقاتل على الجبهة في عالمنا الخليجي والعربي، رغم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «من جهز غازياً في سبيل الله فقد غزا، ومن خلف غازياً في أهله فقد غزا»، وإذا استثنينا مديريات التوجيه المعنوي والعلاقات العامة في جيوشنا، والمقيدة بالروتين الحكومي، فإننا لا نجد منظمة مجتمع مدني خليجية واحدة معنية بدعم الرجال على الجبهات، فجمعيات المحاربين القدامي مناصب شرفية، والجمعيات النسائية الخليجية ارستقراطية وجاهية حتى في القضايا التي تتبناها، وجمعيات العمل التطوعي تدور فيها معارك المناصب بوتيرة يومية.فمن لرجالنا ليرفع معنوياتهم على الجبهة! بل من يثني على ما يقومون به بالكلمة المكتوبة أو العمل الإعلامي المميز؟!فمنذ أن اشتعلت حرب إعادة الشرعية في اليمن ووسائل الإعلام الخليجية، وهي المعني الأول بما يجري، تكرر نسقاً واحداً هو إعلام المناسبات والفعاليات قصيرة المدى، مع غياب تام لحملة العلاقات العامة الجذابة لكسب الشارع للقضية ورفع الروح المعنوية للمقاتل، بل إن وسائل الإعلام الخليجية قد استعجلت في رفع حجم المشاركات من باكستان وماليزيا، فساهمت بذلك في رفع حجم خيبة الأمل بعد تكشف الحقيقة. لكن ماذا نتوقع من قنوات رسمية تعجز عن افتتاح نشرة أخبار دون نقل الاستقبالات وبرقيات التهنئة؟ وماذا نتوقع من قنوات خاصة تتصل بالمحلل السياسي أو العسكري فيعتذر بعدم الاختصاص فتقول له منسقة اتصال حمقاء: «أمامك ساعتين ثقف نفسك حول القضية من النت».إن حرب اليمن دون تردد خارج ثنائية القبول والرفض في الخليج؛ فهي مفتاح لمصيرنا وحديث الدواوين، وأكبر هموم الأمهات والإباء على مستقبل الأجيال، لكن ذلك القبول القوي لا يتجاوز عتبة الأبواب، حتى أنني صدمت بجرأة من يروج بعدم شعبية الحرب القائمة بدليل خلوا صحافتنا وقنواتنا التلفزيونية من التواصل اليومي مع المقاتل على الجبهة إلا بتقرير يتيم للعميد العسيري، وبخلوها مع تفاعل الشارع إلا بمحاولة ربطها بحركة الأسهم، أو يدلل على ذلك بمشاركة بعض الدول بطائرات لا تتعدى أصابع الكف الواحدة.- بالعجمي الفصيح..تستمد الحروب شعبيتها أو غير شعبيتها من كلفتها البشرية والمادية، ونحن لم نتكبد خسائر بشرية فادحة، ولا يوجد خوف من تمرير تكاليف الحرب بالكامل إلى الأجيال القادمة، كما تستمد عدالتها من هدفها بإعادة الشرعية اليمنية. فكيف غابت تلك الحقائق الداعمة لشعبية الحرب، وحل مكانها موقف نائب في البرلمان قدم استجواباً لعدم دستورية المشاركة مفتتحاً الطريق لغيره؟! لكن عزاءنا، رغم القصور في حملة العلاقات العامة، أن البعد الشعبي قد يكون له تأثير على سير العمليات الحربية وقد لا يكون، فمن الحقائق الثابتة أن واشنطن قد انتصرت في حرب العراق التي لم تحظ بشعبية وتأييد داخلي أو خارجي، وفي الوقت نفسه خسرت واشنطن حرباً في أفغانستان حظيت بشعبية عارمة في أمريكا وبقية العالم بوصفها حرباً ضد الإرهاب.