خلال السنوات الثلاث الأخيرة على الأقل جربت الحكومة أكثر من مرة المساس بالدعم الذي يقدم للمواد الغذائية أو المحروقات، وفي كل هذه الحالات تواجه بردة فعل سلبية من قبل مجلس النواب أو أصحاب الشأن والعلاقة أو المواطنين بصفة عامة، وهي ردة فعل ناجمة من عدم الاقتناع بواقعية الخطوة التي اتخذتها الحكومة أو أعلنت عن نيتها الإقدام عليها.وفي كل مرة أيضاً تتراجع الحكومة عن تلك الخطوات إما خضوعاً للرفض الذي جوبهت به أو عدم قدرتها الدفاع عن تلك الخطوة أو اقتناعها بأن الوقت الذي اختارته للإعلان عن المشروع غير مناسب، فتقرر التأجيل لوقت لاحق..والواقع أن الجميع مقتنع بضرورة (إعادة توجيه الدعم لمستحقيه) وأن هذه القناعة تعود على الأقل إلى عام 2008 عندما وردت في الرؤية 2030 والاستراتيجية الاقتصادية 2009-2014 وبما يعني أن عام 2014 هو العام النهائي والحاسم لتوجيه الدعم بالنسبة لكل المواد والقطاعات التي تتلقى الدعم والتي خضعت لخطة تدريجية مدتها 6 سنوات هي عمر الاستراتيجية الاقتصادية، لكن ذلك لم يحدث مع الأسف.انقضاء السنوات الست ودخولنا في السنة السابعة بدون أن يعاد توجيه أي جزء من الدعم يعود أولاً إلى أن الاستراتيجية الاقتصادية بقيت حبراً على ورق وقد ذكر مؤخراً أنه أعيد تحديثها لسنوات ست تالية لكن أحداً منا لا يعرف شيئاً عن هذا التحديث والجديد الذي أتى به.ويعود ثانياً إلى أن الاستراتيجية الاقتصادية التي كانت مبادئ وأهداف وتطلعات عامة تحتاج إلى دراسات وبرامج لتترجمها على أرض الواقع ولتجعل خطواتها وقراراتها مفهومة ومبررة ومقنعة ونابعة من معلومات وأرقام، ومن ثم حصولها على موافقة الشعب الذي ستطبق عليه من خلال نوابه.أي أن البداية في إعادة توجيه الدعم بصفة عامة وشاملة بتكليف جهات مختصة بإجراء دراسات تتناول كافة الجوانب المتعلقة بالدعم ابتداء من الإفصاح عن حقيقة الدعم في الوقت الحاضر بالأرقام والمبالغ التي يتكلفها، ثم تحديد الفئات التي تستحق الدعم من حيث الحاجة والدخل وكذلك الفئات التي لا تستحق ولماذا؟ والكيفية المقترحة لإعادة توجيه الدعم الفوري والمتدرج والكلفة المالية لهذا التوجيه والمبالغ التي ستوفرها الدولة بعد سريان هذا التوجيه، ومن ثم عرض الخطة كاملة على السلطة التشريعية لمناقشتها وإقرارها. فالملاحظ مع الأسف أن الحكومة لا تحبذ التخطيط ولا تستعين بالدراسات في جميع ما تتخذ من قرارات، ولا تمنح مجلس النواب الحق في اتخاذ القرار الأخير، وإنما تلجأ إلى القرارات الفردية والعشوائية التي لا تلقى قبولاً ولا استحساناً ولا تستطيع أن تدافع عنها وقت المساءلة.