سيطر موضوع اللحوم على كل المناقشات وكل القضايا؛ الكل أخذ يدلو بدلوه في هذا الشأن، حتى أن بعض الآراء ذهبت إلى قيمة ما سيتم توفيره جراء رفع الدعم عن اللحوم، وهو مبلغ ليس كبيراً وقدر بـ 28 مليون دينار!غير أن السؤال هنا -حتى وإن كان موضوع اللحوم هاماً ويمس حياة الناس- هل كان موضوع اللحوم وإثارته في هذا التوقيت بتخطيط مسبق؟هل قُصد أن يخرج موضوع اللحوم بهذه الصورة حتى يصبح هو حديث الناس وينشغلوا به عن أمور أكبر من اللحوم؟«والله عرفوا لكم الجماعة.. تحبون اللحم يا أهل البحرين.. آه منكم»..!!في ذات الوقت تقوم هذه الأيام لجنة تحقيق في موضوع اللحوم، وهي تقوم بعمل جيد، غير أنه إذا ما رفع الدعم عن اللحوم هل سيكون لهذه اللجنة إلزام للشركات؟ وهل تستطيع أن تحاسب المسؤولين في شركة المواشي أو المسالخ إذا ما رفع الدعم؟ما أريد أن أذهب إليه هو؛ أن هناك من أشغل الرأي العام بقضية اللحوم (وهي جزء بسيط من الميزانية العامة) بينما لا تسمع اليوم حتى تصريحات من السادة النواب عن الميزانية العامة، وبنودها، وتفاصيلها، وماذا سيقرر النواب تجاهها، وهل السادة النواب راضون عن إيرادات الدولة؟وهل موضوع النفط والغاز في الميزانية مقنع للسادة النواب من حيث الأرقام ومن حيث تقديم دعم من الميزانية العامة إلى شركة بابكو يقدر بـ 150 مليون دينار؟بينما حتى الساعة لا نعرف كم تقدم بابكو من أرباح عن عملها وكمردود عن الـ 150 مليوناً.شغلني هذا السؤال؛ لماذا خرج موضوع اللحوم إلى السطح الآن، وهو جزء من الميزانية؟من الذي أراد أن يشغل الناس بقضية جانبية عن القضية الأكبر، وهي قضية الميزانية العامة وبنودها؟ وهل مجلس النواب يستطيع دراسة كل أوجه الميزانية في فترة قصيرة لا تتجاوز 6 أسابيع، بينما انقضى منها 18 يوماً حتى اليوم؟إذا كان موضوع رفع الدعم وإعادة توجيهه من ضمن بنود الميزانية العامة؛ فهذا يعني أن باستطاعة النواب أن يتخذوا بشأنه قراراً، والميزانية تحت أيديهم، وهذا يعني أيضاً أننا لا نحتاج إلى تصريحات عن اللحوم بقدر ما نحتاج إلى دراسة الميزانية العامة بشكل مفصل وأن يتم بحث موضوع اللحوم من ضمنها.للتذكير فإننا نعيد طرح فكرة أننا لسنا ضد إعادة توجيه الدعم، الفكرة الأساسية هي أن قيمة التعويض في ظل رفع الدعم وارتفاع الأسعار لا توازي ما يحتاجه المواطن لوجبة واحدة، فأصبح موضوع قيمة الدعم محل سخرية وتندر، وأصبح يمس كرامة المواطن، فمبلغ 5 دنانير جداً مخجل.كما أني طرحت فكرة أخرى قبل الآن؛ وهي أن الدعم والتعويض عن الغلاء وعن الإسكان وعن بدل الإسكان كلها أصبحت تصب في اتجاه واحد، وهذا أمر خطير على مستقبل البحرين، نحن من نحول الطبقة الوسطى إلى طبقة محتاجة.هذا أيضاً يحتاج إلى بحث من مجلس النواب، فكل شيء يصب في خانة من يتلقون الدعم، وأنا لست ضدهم، ولكن هناك من يحتاجون للمعونات ورواتبهم لا تغني ولا تسمن من جوع، وسط موجات الغلاء وعدم مراقبة الأسواق والتلاعبات.وإذا نظرنا بعين مجردة اليوم إلى موضوع الدعم، سنجد أن الطبقة الوسطى هي التي تسدد كل التكلفة، فمن يتلقون الدعم يحصلون على بعض التعويض، والميسورون لا يحتاجون للدعم، فمن الذي يسدد كل تكلفة غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار، ونزع بيوت الإسكان منهم عنوة وبالقانون، وإعطائها إلى آخرين؟الكل منا أخذ يدلو بدلوه في موضوع اللحوم، صار هو موضوع المجالس والتواصل الاجتماعي والصحافة، بينما نسينا أن الميزانية أحيلت إلى السادة النواب منذ 18 يوماً، وهي من أكبر الملفات التي تأتي تحت يد النواب وتؤثر على معيشة وحياة الناس. بلعنا طعم «اللحوم» حين ألقي إلينا، دون أن نفكر لماذا أثير هذا الموضوع في هذا الوقت، وهو (جزء بسيط) من الميزانية العامة ليس إلا.** رذاذسمعت تعليقاً عن موضوع «الدعم» و«اللحوم» وغيرها من الأمور، فقد قال أحد الأخوة: «إننا في دولة رأسمالية، لكننا نوزع المساعدات بطريقة اشتراكية»..!أخشى أن يكون ذلك صحيحاً..!!