في الوقت الذي تم فيه إقرار رفع الدعم عن بعض المواد الغذائية مثل اللحوم تبعاً لسياسة التقشف التي ستنفذها الدولة، فإن هناك بذخاً وإسرافاً وتبذيراً في بعض المؤسسات والشركات الوطنية الكبرى، والتي تقدر خسائرها السنوية بمئات الملايين. نأخذ هنا على سبيل المثال شركة طيران الخليج، حيث لا تمر سنة إلا ويتم تخصيص مئات من الملايين لها من الميزانية العامة للدولة، حيث كان من المفروض أن يتم تعيين لجنة دراسة وتقصٍّ لحجم مبالغ الدعم طوال السنوات العشر الماضية وأين صرف هذا الدعم؟لكن مع الأسف لا لجنة ولا ضمير، ومازال طلب الدعم متواصلاً؛ فها هو وزير المواصلات يطالب بتخصيص مبالغ لدعم الشركة في ميزانية 2015-2016 بدعوى أن الشركة مازالت تتكبد الخسائر، إذ إنه تم في ميزانية 2013-2014 -وضمن بند مصروفات المشاريع- رصد 170 مليون دينار لدعمها، بواقع 95 مليون دينار في 2013، و75 مليوناً في 2014، ومازال الدعم حتى 2015-2016، إذ تم إدراج 150 مليون دينار لدعم الشركة ضمن ميزانية 2015، في الوقت الذي تزداد سنوياً رواتب كبار موظفيها، بل أصبح معظم موظفي الشركة أو أغلبهم من كبار الموظفين، هل يوجد مسؤول حكومي في الدولة يستلم 10 آلاف دينار أو حتى 8 آلاف أو 7 آلاف وتأمين طبي وتذاكر سفر على الدرجة الأولى؟ هذا يحدث فقط في شركة طيران الخليج التي يتم دعمها من ميزانية الشعب.هذا الشعب هو ضحية هذه الخسائر التي لم تعد محصورة على طيران الخليج فقط، بل ها هي شركة بابكو الأخرى، حيث لا ندري أين تذهب إيراداتها، شركة بحاجة إلى الكثير من تطوير أنظمتها الفنية والتكنولوجية، فتجد موظفيها يعيشون البذخ وسعة العيش والرفاهية، كل ذلك على حساب المواطن، ويخصص لهذه الشركة 150 مليون دينار من الميزانية بدعوى فصل حسابات الشركة عن حسابات الحكومة، والأغرب من ذلك أن هذا الدعم يقابله إعلان بأن أرباح الشركة بلغت 150 مليون دينار في عام 2014، حيث ستصرف منها مكافآت شهرية للموظفين تقدر براتبين. أليس هذا تبذيراً وضياعاً للمال العام عندما يتم دعم شركة من المفروض أن تكون مصدراً أساسياً للدخل القومي؟ أليس من العجب أن يتم دعمها بـ150 مليون دينار من ميزانية الدولة، في الوقت الذي توزع فيها أرباح بـ150 مليون دينار؟المواطنون سيقفون بالطبع مع الدولة في شدائدها وأزماتها، وذلك إذا قامت الدولة بتطبيق هذا التقشف على جميع مجالات الإنفاق، وهذا لن يكون إلا بدراسة بعيدة عن التأثيرات والتدخلات والمبررات، خصوصاً من أولئك المستشارين الاقتصاديين الذين يقدمون استشاراتهم وتوقعاتهم دون دراسة واقعية، وكذلك بالنسبة للمسؤولين في الشركات الذين يحاولون إخفاء إخفاقاتهم فيها، والإيهام أنها بدأت تتعافى في وقت عرضهم لإنجازاتهم، مع أن الواقع شركة تتضاءل محطاتها وينقرض أسطولها، شركة تهدر ثروتها النفطية والغازية في ظل عدم الاهتمام من مسؤوليها السابقين الذين وصلوا بهذه الشركة العملاقة إلى مرحلة الهرم، حيث لا أمل فيها من التعافي، بينما لا يمكن المقارنة بين الشركات الوطنية في البحرين مثل شركة الطيران وشركة النفط ومثيلاتها وبين شركات دول الخليج العربي التي تحقق كل يوم نجاحاً وأرباحاً رغم أسبقية البحرين في مجال الطيران وصناعة النفط.لاشك بأن البحرين هي من أوائل الدول الخليجية والعربية التي تقدم لمواطنيها مثل هذا الدعم السخي للمواد الغذائية، وهي الدولة الخليجية الأولى من ناحية انخفاض تكاليف الحياة المعيشية، ولا يمكن لأحد أن ينكر هذا، وإذا كانت هناك وجهة نظر حول رفع الدعم عن السلع الغذائية فهي من باب المصلحة العامة، لأن الرؤى تختلف ووجهات النظر متعددة، خاصة أن البعض يرى بأن دعم السلع الغذائية قد يستفيد منه التاجر، فهذا جانب إيجابي لأن هذا التاجر يقدم السلع للمواطن، فكلما ارتفعت الكلفة عليه رفع سعر المنتج، وهذا سيكون له مردود سلبي على المواطن، وحتى على الجانب الاقتصادي، حين تعد البحرين من الدول المناسبة لقضاء الإجازات الأسبوعية للخليجيين، ومما أنعش هذه السياحة هو رخص الحياة المعيشية التي تتمثل في وجبات المطاعم وأسعار الفنادق.إذاً رفع الدعم عن السلع الغذائية يجب أن يكون آخر محطات التقشف، فأمام الدولة مشوار طويل لتخفيض نفقاتها، ولن يبدأ هذا المشوار إذا تركت الجمل بما حمل في هذه الشركات وغيرها من المؤسسات الحكومية والهيئات. ورفع الدعم بالتأكيد سيوفر للدولة مئات من الملايين تغنيها عن الاقتراض، وتعينها على مواصلة الدعم السخي لمواطنيها الذين هم رأس مالها الحقيقي.