من أحدث التسميات الملتبسة راهناً مقولة «المستنقع اليمني»، حيث اتساع نطاق التسمية وتقلص المعنى إن لم يكن عدم تطابقه، ومنذ انطلاق عاصفة الحزم تكررت تلك التسمية بوتيرة متفرقة؛ ورغم قدرتنا على إنهاء النقاش فيها مبكراً بالقول إنها صدرت من أبواق الخصم وحربه النفسية. رغم ذلك؛ سنحاول دحض هذا الطرح ليس على قاعدة نظرية مجردة بل بقراءة مستنقعات الأزمات وتمحيص المشتركات فيها مع ما يجري في اليمن كالتالي: - تنشأ مستنقعات الأزمات الدامية حين تدخلها أطراف لخدمة قضية ملتبسة، ورغم توحش نظرية المؤامرة في العقل الجمعي العربي، فإن الأمر لم يكن كذلك بالنسبة للتحالف العربي، فقد دخلنا بناء على دعوة شرعية لعودة الرئيس هادي لسدة الحكم، ووقف طغيان الحوثي، والحد من التمدد الإيراني. ولم يتم التنازل عن واحد من هذه الأهداف، كغيرها من الأزمات التي تتصف بهلامية الأهداف وميوعتها أو مطَّاطيتها، فمسار عودة الشرعية غير قابل للارتداد.- تتكبد الدول حين تنغمس في مستنقعات الحروب خسائر بشرية واقتصادية ضخمة، ولم يتعد شهداء قوات التحالف العربي في حرب إعادة الشرعية اليمنية اصابع الكف، ولم تقترب الحكومات المشاركة فيها من صناديق الأجيال القادمة لتمرير تكاليف الحرب لأجيال المستقبل.- ينشأ المستنقع نتيجة سوء الحسابات وصعوبة التراجع، فقد أرسلت القاهرة لليمن في 1963 سرية وانتهى الأمر بـ 70 ألف رجل، ومثلها دخلت واشنطن فيتنام بـ 400 رجل في 1961م ليصلوا إلى نصف مليون جندي 1975م، كما دخلت موسكو أفغانستان في 1979 بـ 700 رجل وانتهت 1988م بـ 120 ألف رجل.ونقيض ما سبق لم تنجر قوات التحالف العربي للحرب البرية، ولم يعلن قادتها تنبؤاتهم بحرب سهلة وسريعة، بل إن الحرب قد دخلت قائمة الحملات الجوية الطويلة، وفي المعادلة الراهنة وأية معادلة مشابهة لها يمكن وقف التدخل بوقف الغارات الجوية، ففي تقديرنا الخاص أن الحزم في دخول اليمن بقوة لم يتم في ظل غياب الخطائين التوابين استراتيجياً.- في حروب المستنقعات بفيتنام وأفغانستان واليمن واجهت القوات الغازية دولاً ذات طبيعة جغرافية قاسية حيدت جدوى الكثير من أسلحة الحسم البرية، ومثلها الاختلافات الاجتماعية الحادة التي قد تدفع للتصرف بدون مرجعية لقيم مشتركة؛ كاختلاف الفيتناميين عن الأمريكان، وبعد معتقدات الأفغان عن الملاحدة السوفيت، اما البنية الاجتماعية والسلوكية لليمنيين فليست بعيدة عن الخليجيين، كما ان اجزاء من جنوب الجزيرة العربية امتداد جغرافي لليمن.ولأن المستنقع يبقى مستنقعاً؛ تخيفنا جملة حقائق فلا نستطيع تجاوز ان اليمن قد أفنت أربعة ألوية تركية قبل قرن، وتحطم فيها قوات الداعمين للجمهوريين والداعمين للملكيين في مطلع الستينيات، كما تحطم الجيش الفرنسي في معركة (ديان بيان فو) أمام الجنرال الفيتنامي جياب 1954م، إلا أن ذلك لم يمنع الأمريكان تجرع نفس الكأس في سايغون 1975م. أما في أفغانستان فرغم أنه لم يعد من الجيش البريطاني الغازي المكون من 15 ألف رجل في مطلع 1842م إلا رجل جريح واحد هو الطبيب بريدون؛ إلا أن العناد قادهم لهزيمة قندهار في أبريل من نفس العام، وخوفاً من تقرب الروس تعرض البريطانيون أيضاً لهزيمة كابول 1880م، وأخيراً وصل الروس إلى أفغانستان بعد مائة عام فكسرهم المجاهدون، لكن هزيمتهم لم تكف لتعظ الأميركيين الذين مازالوا يلعقون جراحهم على أطراف ذلك المستنقع، فهل يدخلنا ذلك السيناريو في سلسلة من التناقضات المنطقية بالقول إن اليمن مستنقع أم ليست مستنقعاً!- بالعجمي الفصيح..لن تكون اليمن مستنقعاً لنا؛ فنحن ندرك أن المستنقع ليس لديه حدود حادة بين الأرض والمياه ولا يقع فيه إلا المندفع والمتهور، كما أن اليمن لن تكون مستنقعاً لنا لأن المستنقعات تتشكل حين يكون المورد المائي الذي يغذيها ضعيف، فيما نحن لم نتوقف عن تحريكها مرة بقرار مجلس الأمن 2016 تحت البند السابع، ومرة ببنود المبادرة الخليجية، ومرة بمؤتمر إنقاذ اليمن في الرياض، وأخيراً بمؤتمر جنيف الموعود، مع تحرك لخلق جيش يمني شرعي، فزخم العمل السياسي كما نرى مواز للعمل العسكري.