في كثير من الأحيان يرفض الإنسان منا أخذ خطوة معينة بسبب هواجس وأفكار برأسه، قد يكون بعضها أو كلها ليس حقيقياً، ولو أنه أقدم على الخوض في الخطوة التي يريد لربما كسب وقتاً وجهداً، وحقق مردوداً مالياً أو وفر مصروفات مالية.طرح البعض (ورأيهم قد يكون فيه وجاهة) أن رفع الدعم عن اللحوم سيحسن من نوعية اللحوم المستوردة والتي تأتي في غالبها من أستراليا، غير أن الذي استوقفني هي فكرة أن ربما رفع الدعم سيجعل الناس تفكر في البدائل، وسيجعل عدداً منهم يفكر في استئجار أرض وتربية الأغنام عليها، مما يعني أنه سيحصل هو وعائلته على اللحم وسيجني أرباحاً، كون سوق استيراد اللحوم مفتوحاً.من واجبنا كصحافة أن نطرح القضية من عدة زوايا، نعم نريد أن تكون قيمة التعويض للمواطن أكثر مما طرح وهذا لا اختلاف فيه، ونريد أن يحصل المواطن فقط على الدعم دون غيره، لكن أيضاً قد تخرج مبادرات جماعية أو شخصية من أفراد المجتمع من أجل إما المتاجرة في الأغنام، أو أن يقوم من يملك مساحة في بيته بتربيتها كما كان يحدث ذلك في الفرجان القديمة، فقد كان الناس يربون الأغنام والأبقار في مساحات ضيقة في بيوتهم، كما أن بيوتهم لم تكن كبيرة جداً.ليس هذا هو ما أردت الوصول إليه اليوم بالتحديد، لكن فكرة أن الأزمة قد تخلق بدائل وقد تشجع الناس على العمل في التجارة والاكتفاء الذاتي، وأجد أنها فكرة ممكن أن تتحقق، فالأزمات دائماً تنتج حلولاً وبدائل وتخرج ما في العقول من إبداع.الذي أنا بصدده اليوم هو مناقشة فكرة ما طرح في جلسة مجلس النواب الأخيرة من أن إما أن تدعم اللحوم وإما ألا تمر الميزانية، هذه الثنائية أجدها غير صحيحة مع إدراكي أن السادة النواب يفعلون ذلك بنية طيبة، وهي كسب رضا الناس.إلا أني أجد أن فكرة أخرى ينبغي أن تشغل النواب وهي ضرورة توجيه الدعم ليصل للمواطن فقط، وإذا اتفقنا على هذا، فيبقى الخلاف حول قيمة التعويض الذي سيحصل عليه المواطن، ومراقبة التلاعبات في أسعار السوق.لكني لست مع ثنائية إما أن يدعم اللحم وإما لن تمر الميزانية.في ذات الوقت ولنتحدث بصراحة، فإن الدولة ومجلس النواب معاً تأخروا في موضوع توجيه الدعم وجعله مقتصراً على المواطن، ساهم في ذلك أزمة 2011 التي لم تكن تحتاج إلى أزمة أخرى مثل رفع الدعم عن اللحوم والمحروقات، ولو حدث ذلك في تلك الأعوام الماضية لربما حدثت أمور لا تحمد عقباها.من ضمن الأفكار التي طرحت ـ خلال مناقشاتي مع بعض أصحاب الشأن ـ طرحت فكرة استنساخ تجربة شراء الأدوية، بمعنى أن نطرح موضوع شراء الأغنام بشكل موحد خليجياً، ليكون شراء من قبل جهة واحدة حتى يقل السعر، وتصل اللحوم بسعر مناسب أقل من 2.5 للكيلو في البحرين.هذه الفكرة أيضاً يمكن بحثها بحيث لو تعذر ذلك خليجياً، لا فبأس في أن نحاول تحقيق ذلك بين البحرين والسعودية بحيث يكون الشراء موحداً لتجار البلدين حتى ينخفض السعر، وبالتالي تصل اللحوم بأسعار منخفضة للمواطن.تذكرت مقولة المدرسين المصريين كانوا يقولون في أول سنة لهم بالبحرين: «احنا أول مرة نشوف بلد فيه سعر شوارما اللحم أقل من سعر شوارما الدجاج».. (أهو يا أساتذة خلاص انفض المولد، حتصير شوارما اللحمة أغلى)..!ما كنا نريده من الأخوة في مجلس النواب والشورى أن تطرح بدائل وخطط واستراتيجيات وأفكار لتنمية مداخيل الدولة، بمعنى ليس فقط من واجب النائب أن يطالب بمكاسب تتحقق للناس، بل أيضاً يجب أن يطرح مشاريع قوانين أو أفكاراً أو أن تعقد ورش عمل بين النواب والاقتصاديين لطرح موضوع تنمية مداخيل الدولة ويكون المجلس هو الذي يحاسب على هذه المداخيل.الكلام العاطفي الذي يدغدغ الناس موجود في كل البرلمانات حول العالم، هذا لن يتوقف، لكن ينبغي علينا أن نفكر بعيداً عن العاطفة، ما هي الأفكار والمشاريع التي طرحها السادة النواب من أجل تنمية مداخيل الدولة؟هل السياحة ممكن أن تكون رافداً للاقتصاد والميزانية العامة؟هل الصناعة بكل أقسامها الثقيلة والمتوسطة والصغيرة؟هل في الخدمات المتطورة، والتي ممكن أن تعود بمردود على الاقتصاد بشكل عام؟هل إعادة التصدير؟هل في المصارف الإسلامية؟تنمية البدائل واستغلال الفرص المتاحة بالبلد سينعكس على الاقتصاد بشكل عام، بمعنى إذا توفرت إيرادات أكبر بالميزانية، يمكن أن نخصص مبالغ أكبر للأمور المعيشية للمواطنين، أما أننا دائماً نرفض ونرفض في مجلس النواب دون أن أقترح البدائل، فهذا لن يقدم حلولاً للمستقبل.إذا أردتم الحقيقة كان يجب أن يخصص دعم اللحوم ليصل للمواطن فقط منذ زمن بعيد، وأن يكون التعويض مجزياً، تأخرنا كثيراً في ذلك، والذي قال إن التأجر والفنادق كانوا هم الذين يربحون من وراء الدعم أكثر من المواطن، أعتقد أنه كان محقاً.إذا كان من واجب الدولة أن تقدم بدائل وأفكار ومشاريع لتنمية إيرادات الدولة فإن هذا أيضاً ليس ببعيد عن النواب، هذا جزء من واجبهم ومسؤوليتهم الوطنية تجاه وطنهم، حتى لا يصبح البرلمان للمطالبات فقط، بل يصبح البرلمان أيضاً صاحب مبادرة ويطرح مشروعات وطنية للأجيال وللوطن بأسره، وليس لأربعة أعوام فقط.