الجمعة الفائتة فجر إرهابي نفسه في مسجد بالقطيف أثناء أداء المصلين لصلاة الجمعة، ما نتج عنه سقوط أكثر من عشرين شهيداً ونحو مائة جريح وأقلق الجميع وتسبب في زيادة الاحتقان الطائفي في المنطقة وأحرج الأمن السعودي المعروف بقدراته العالية وتمكنه من بسط سيطرته وتفوقه في توفير الأمان لكل مواطن ومقيم على أرض المملكة، فزاد من المسؤوليات الملقاة على عاتق رجال الأمن في السعودية وفي مختلف دول التعاون، فما الذي يمكن أن يحدث في هذه الجمعة؟ وإذا بالفعل تكرر شيء من هذا القبيل فكيف سيكون الحاضر، وكيف سيكون المستقبل؟هذا السؤال يشغل الآن بال كل مواطن خليجي ومقيم ويدور في رأس كل من دهش من حصول عملية كهذه في إحدى دول مجلس التعاون، فعدا أن مثل هذا العملية غريبة على هذه الدول لاعتبارات تتعلق باستتباب الأمن وصعوبة تنفيذها؛ فإن حصولها يعني أمورا كثيرة، أبرزها احتمالية انتقال العدوى من الدول التي تعاني من هذا الداء إلى دول التعاون. لهذا فإن السؤال الأبرز اليوم هو ما الذي يمكن أن يحدث في هذه الجمعة وفي الجمعات التالية؟ هل سيتكرر ما حدث في الجمعة الفائتة، خصوصاً أن داعش تبنت عملية التفجير الانتحاري وهددت بالمزيد من العمليات؛ أم ستشهد دول التعاون قصة أخرى تتسبب في ألم جديد؟ السؤال مهم لأنه ترجمة للقلق الذي صار مسيطرا على الجميع، فلا أحد يريد أن يرى في دول التعاون ما يراه الآن حاصلا في دول أخرى عديدة في المنطقة، لهذا فإن مسؤولية حكومات دول التعاون اليوم كبيرة، وكذلك مسؤولية المواطنين والمقيمين، وهذا يستوجب التفكير في سبل حماية دولنا ومنطقتنا من هكذا عمليات وتطورات تهدد كل ما تم بناءه في السنوات السابقة وتهدد المستقبل. السبيل المضمون في هذه الحالة هو ركن أي خلافات مهما كانت صغيرة بين دول التعاون جانبا وتجميد كل المطالب التي يمكن أن تتسبب في الانشغال عن هذا الخطر الذي يهدد الجميع. انشغال المعنيين بتوفير الأمن بقصص جانبية يسهل على المخربين التغلغل إلى كل مكان وتنفيذ ما يحلو لهم من عمليات. إذا كان يصعب منع إرهابي من الدخول في صفوف المصلين حتى مع توفر حراس ومفتشين عند أبواب المسجد، فإن الأصعب منعه من الدخول في تجمعات تتم في الطريق العام، بل أن هذا يكاد يكون مستحيلاً. ترى كيف يمكن منع مرتد لحزام ناسف من الدخول وسط متظاهرين أو معتصمين لتفجير نفسه؟ بالتأكيد لن يعدم المخربون وسيلة لتنفيذ عملياتهم، ولكن لماذا نترك كل الأبواب مشرعة؟ ليست هذه دعوة إلى تخلي المواطنين عن مطالبهم، فهذا حقهم، ولكن لم يعد الظرف مناسباً للإصرار والعناد، فمثل هذا الظرف يتطلب تعاون الجميع مع الحكومة، وأول صور هذا التعاون التوقف عن الممارسات الغريبة على مجتمعنا والتي استمر البعض في تنفيذها في السنوات الأربع والنيف الماضيات، فمن خلالها يمكن أن يدخل المخربون وينفذوا ألف عملية وعملية.بعد تفجير القطيف صار لا بد من توفير مساحة أكبر لذوي العقول والحكمة كي يتحركوا، لكن هذا التحرك لن يكون مجدياً في حالة الاستمرار في هذا الذي لم يتوقف منذ أن بدأ ولم ينتج مفيداً. إشغال المعنيين بالأمن بالممارسات الصبيانية التي لا تليق أساساً بـ «المعارضة»، نتيجته تضرر الجميع وتعريض البلاد والمنطقة في هذه المرحلة الصعبة للكثير من الأخطار.المسؤولية الأكبر تقع على عاتق الجمعيات السياسية التي يفترض أنها تشتغل سياسة حيث عليها أن تعود لقيادة الشارع وتمنع «السياسيين الجدد» من توفير الظروف التي تعين المخربين على تنفيذ عملياتهم الإرهابية.