قبل يومين فقط وبالإشارة لحديث بت أتداوله مؤخراً، قالت لي صديقة مقربة «إنهم بيننا، يتخفون في جلابيب الدين وقولة (الله أكبر)، ويشهرون أسلحتهم على حين غفلة»، وما فتئت بنات أفكاري من أن تحملني إليهم؛ لألتقيهم سبقاً إعلامياً لم يتسن للعرب من ذي قبل، ما عدا الإعلامي يسري فودة من قبلي والذي وثق تجربة لقائه بالقاعدة في كتابه «في طريق الأذى.. من معاقل القاعدة إلى حواضن داعش» بعد سلسلة من التحقيقات الاستقصائية المنشورة في وقتها.ورغم إعجابي الشديد بتجربة «فودة» الشيقة، إلا أن لقائي معهم كان على نحو مختلف، تعرضت فيه «للتحليل والتشريح العلمي لبناهم الهيكلية والعملياتية»، ما مكنني ونخب فكرية خليجية وعربية وأجنبية من سبر أغوار الميليشيات الإرهابية والإرهاب المنظم؛ كان ذلك في ورشة عمل أقامها مركز الإمارات للسياسات تحت عنوان «القتل باسم الله.. الجماعات الإرهابية؛ البنية والمسارات والمآلات».لقد سلطت ورشة العمل الضوء على عدد من المفاصل الحيوية للجماعات الإرهابية، وقوفاً على توزيعها الجغرافي واستراتيجيات الفعل الإرهابي، والسيناريوهات المتوقعة للجماعات الإرهابية، إلى جانب مآلات المواجهة العربية مع الإرهاب. جرى التعرض من خلالها لأنماط تلك الجماعات من دعاة المهدوية من جانب، ودعاة الخلافة من جانب آخر، فضلاً عن الوقوف على آليات التمويل والاستقطاب والتي كشفت زيف الادعاءات الدينية والدعوة إلى الله، بعد هتك ستر تلك الجماعات وإذا بالمخدرات «المحرمة» واحدة من أهم مصادر تمويلها!! تعرضت الورشة لمفهوم «الذئاب المنفردة» الذي ابتدعه زعيم القاعدة أسامة بن لادن، وتبناه فيما بعد أبوبكر البغدادي زعيم تنظيم «دولة الخلافة الإسلامية»، والذين يشكلون 25% من نسبة الإرهابيين الفاعلين ومجموع العمليات المنفذة بين سنتي 2005 و2014 في مناطق متفرقة من العالم. ويبدو -وفق تقديراتنا- أن تلك النسبة أخذت في النمو مؤخراً لاسيما في المنطقة العربية، والتي بدأت أصابعها العابثة بالتسلل إلى المملكة العربية السعودية.تكمن خطورة «الذئاب المنفردة» في أنهم الأكثر ستراً وتخفياً، وأنهم أقل اتصالاً بالجماعات الإرهابية المنظمة لاسيما ميدانياً، بالمقارنة مع أولئك المنظمين بصفة أكثر وضوحاً وقرباً، غير أن الأهمية التي تشكلها «الذئاب المنفردة» لتنفيذ العمليات الإرهابية، أنها في أغلب الأحيان خارج دائرة الشك والرقابة الأمنية -كما أرى-، فضلاً عن قربها الجغرافي من مواقع تنفيذ العمليات. ورغم أن هؤلاء لا يعدون على كونهم زمرة من الأفراد المتفرقين في أغلب الأحيان، إلا أنهم الأشد خطورة والأكثر توغلاً في بلداننا، بل والأقرب على كافة المستويات، ما يجعلهم -إلى جانب ما تقدم- الأنموذج الاستخباراتي الأمثل لمراكز الجماعات الإرهابية. ورشة عمل كهذه وبإدارة رصينة متمكنة كانت كفيلة بملامسة جراح العالم في أكبر قضية تهدد أمنه وتؤرق قادته، في تشخيص وتفكيك وتحليل وقراءة لواقع الجماعات الإرهابية، واستشرافات مستقبلية لطبيعة الأنشطة والسيناريوهات المتوقعة، والوقوف على جملة من الاقتراحات والتوصيات للتعامل معها.- اختلاج النبض..فئة استثنائية بخطورة «الذئاب المنفردة» كالتي نفذت العمليات الإرهابية الأخيرة في المملكة العربية السعودية وربما مناطق أخرى من الخليج مستقبلاً، تفرض سؤالاً معقداً لإجابة أكثر تعقيداً.. «هل حان وقت الرقابة على الفكر؟!».
Opinion
«ذئاب منفردة» في الخليج
31 مايو 2015