ستبقى الدولة دولة طالما تصدت لكل من يحاول أن يتجرأ عليها أو يشاركها دورها، وها هو ولي العهد السعودي يعطي درساً في كيف تصان هيبة الدولة، وذلك في رده الحاسم والحازم على أحد ذوي ضحايا الانفجار الإرهابي لمسجد القديح، حين حاول أن يستغل ظرف تفجير مسجد القديح موجهاً الكلام لسموه: «إن الحكومة إذا لم تقم بدورها، اسمح لي يا سمو الأمير فهي شريكة في هذا الجانب»، وجاءه الرد الذي كان عليه أن يتوقعه من الدولة التي لم يأخذ حكامها قط في الله لومة لائم، وكان: «الدولة قائمة بدورها وأي أحد يحاول أن يقوم بدور الدولة سيحاسب.. الدولة ستبقى دولة وستضبط الأمن مع أي مخالف كائناً من كان».ولذلك، لا نسمع ولا نرى في السعودية مؤسسات حقوقية ولا مدنية ولا جمعية سياسية ولا شخصيات ولا نقابات تحاول أن تقفز على دور الدولة بأي صفة ولا أي شكل من الأشكال، والجميع مع الدولة يعرف حدوده ويدرك حجمه، فلم نشاهد أي مواطن منهم يخرج على قنوات فضائية عربية أو أجنبية يكيل التهم لدولته، أو يدافع عن الإرهابيين، أو يشيع الأكاذيب ويؤلف القصص والروايات، وذلك لأنه يعلم تمام العلم بأن هناك دولة حازمة لا تقبل المساومة على أمنها ولا تسمح لأحد أن يمس هيبتها، مهما كانت الظروف، وكذلك هي الدول الأخرى، أمريكا وبريطانيا وفرنسا وغيرهم، فلا يتجرأ أحد من مواطنيهم -أو أية جهة كانت- أن يمس هيبة الحكم والحكومة، لأن لديهم الأمن القومي هو خط أحمر، من يحاول أن يتجاوزه سيكون مصيره مصير الإرهابي، وكذلك هي وسائل الإعلام لا تتجرأ -مهما كانت قوة الصحيفة- أن تدافع عن أي إرهابي، حتى لو كان مرتكب الجريمة طفلاً في دور الحضانة.وأما الدولة التي تسمح أن يكون للإرهابيين منابر وصوت، وتعطي فرصة لجمعيات سياسية ودينية ونقابات عمالية أن تتدخل في سلطة الدولة، وتسمح لها بعقد المؤتمرات والندوات تأييداً للإرهابيين، فإنها دولة تقول «على نفسي السلام»، وذلك حين يتطور هذا التسامح وتستقبل بعضاً من هذه الشخصيات، أو تسمح بدخول المنظمات التي تدافع عن الإرهابيين وتستقبلهم أحسن استقبال ويتناوب على دعوتهم المسؤولون، مما يصل بالدولة إلى مرحلة يصعب عليها التصدي للإرهاب، وذلك حين فتحت الباب للدفاع عن الإرهابيين، حتى صار الإرهابيون زعماء وأبطالاً تقدم لهم الجوائز العالمية من الدول الغربية وتدافع عنهم المنظمات الأجنبية، وذلك عندما تأكدت أن دولهم لا تنظر لهم ولم تطلق عليهم صفة الإرهابيين، بل أسبغت عليهم شكلاً قانونياً، مما شجع ميليشياتهم في مختلف المؤسسات إلى الانخراط في المؤامرات، ليس سرياً بل علنياً، وذلك حين ضمنوا وظائفهم واستمرار كل خدمات الدولة إليهم، كما يظل الفرد منهم حراً طليقاً يمارس عداءه ضد الدولة حتى من المؤسسة التي يعمل بها، هل هذا يحصل؟؟ نعم يحصل في البيئة التي يستمر فيها الإرهاب ويتربى، والأدهى من ذلك أن لهؤلاء الإرهابيين عناوين ومقار على حساب الدولة بل ومخصصات مالية.إن سيادة الدولة تحددها مواقفها تجاه الأحداث في الحال، وإن أي تهاون مع الموقف أو أي تهاون في معاقبة المشتركين في العمليات الإرهابية أو تمطيط في صدور الإحكام، أو تخفيف في العقوبة، بالطبع هو أهم أسباب تغول الإرهابيين، وإن تطبيق القصاص دون تأجيل على الجميع كائناً من كان، كما جاء في كلام ولي العهد السعودي، هو الرادع الذي يقطع دابر الإرهاب، وإن الأخذ في الحسبان مكانة هذا الإرهابي عند جماعته، أو النظر في احتمالات من قبيل ماذا سيحدث لو تمت محاكمته، بالطبع سيضعف من هيبة الدولة، ويقوي هذا الإرهابي وميليشياته حتى يصل الأمر بهم إلى مرحلة المجاهرة، ومثال ذلك مجاهرة عيسى قاسم بفتواه «اسحقوهم»، هذه الدعوة التي لن تصدر من أي شخص معروف مكانه ومعلوم عنوانه في أي دولة في العالم، لأنه يدرك تماماً ماذا ستكون عاقبة أمره.بالتأكيد إن ولي العهد السعودي كان على قدر من اللطف واللباقة، إلا أن هذا اللطف لا ينسيه أن يرد بهذا الرد الحازم والحاسم، لأن هذه المواقف يبنى عليها مستقبل دولة، فكم من دولة ضاعت بسبب عدم حسمها لأمورها في الحال، وكم دولة استطاعت أن تمسك بزمام أمورها حين حسمت مواقفها بحزم وصرامة في الحال. هكذا تبقى الدولة طالما لم تخف في الحق لومة لائم.