لا يتلاقى التقشف من جهة والتبذير من جهة؛ فليس من المعقول والمقبول أن نسمع خبر تقشف ينزل على رأس المواطن كالمطرقة، ويوماً آخر نسمع خبراً عن مشروع يلتهم مئات الملايين من الدنانير، وليس هو من الضرورة ولا تقتضيه لا حاجة ماسة ولا مؤجلة، وذلك مثل إعلان مجلس النواب عن نيته بتأسيس مركز للتدريب والدراسات البرلمانية، حيث يحتاج إلى مقر فاخر وأثاث فخم وطواقم تعليمية وإدارية ومستشارين وغيرها من مصروفات، لتدريب منتسبي الأمانة العامة والبرلمانيين، مما يعد ازدواجية في عمل المؤسسات الحكومية، وذلك لأن عندنا معهد البحرين للتنمية السياسية، والذي تم تأسيسه خصيصاً لهذا الغرض، ومن أهم أهدافه هو نشر الثقافة السياسية والتعريف بمبادئ الديمقراطية والتعددية، وحقوق الإنسان وقواعد الانتخابات والعمل البرلماني، ونشاط المجتمع المدني وما يتعلق بالشأن الخليجي وغيره.إذاً فما الداعي لمركز تدريب خاص لمجلس النواب؟ ثم ما علاقة مجلس النواب بطرح مثل هذه المشاريع في الوقت الذي ينتظر الشعب منه مقترحات ومشاريع ترفع من مستواه المعيشي، وإصلاح الاقتصاد المتعثر، وتشريع القوانين، وما أكثر حاجتنا للقوانين، منها ما يتعلق بالحفاظ على البيئة من التلوث والحد من أعداد المركبات، وكذلك النظر في أبراج الاتصالات التي أصبحت فوق كل منزل وبناية، وقوانين صحية، فهذه هي من أهداف المجلس الوطنية، لا أن يقترح إنشاء مراكز تدريب لتدريب موظفيه وبرلمانييه.ثم هل أن من يفوز في الانتخابات، أو من ينتسب للأمانة العامة للمجلس بحاجة إلى دورات سياسية؟ أليسوا من المخضرمين الذين وصلوا عن كفاءة واقتدار، إذ يمكن أن يكون كل واحد فيهم مدرسة وجامعة، ثم هل أن الوطنية وخدمة المواطنين تحتاج إلى دورات وتدريبات؟ ثم أليس من التناقض أن ترفع الدولة الدعم عن السلع الغذائية ثم تدفع أضعاف المبلغ الذي ستوفره لإنشاء معهد ذي كلفة سنوية باهظة؟أما إذا رغب المجلس في رفع مستوى التعليم والثقافة السياسية لمنتسبيه، فيمكنه التفاهم مع وزارة التربية والتعليم للاستفادة من معهد البحرين للتدريب، فهو مبنى كبير ويمكن تخصيص صف أو صفين، ولكن نعود ونقول إن معهد التنمية السياسية موجود، ومعهد البحرين للإدارة حاضر وممنون لإقامة الدورات السياسية والعلمية، وكل ما يتعلق بالشأن البرلماني. ثم إن السؤال الذي يدور في البال؛ هل طرح هذا المشروع للتصويت؛ أم هل هناك توصيات من جهات حكومية رفيعة طلبت إنشاء مثل هذا المركز؟ أم هل توجد دراسات أجريت من قبل مستشارين في الشأن السياسي كي يعلن فجأة عن هذا المشروع، الذي بالتأكيد سيكون عبئاً على ميزانية تعاني من العجز أصلاً، ودولة تقترض لسداد التزاماتها والإيفاء بخدماتها الأساسية لمواطنيها؟ ألا يجب أن تمر هذه المشاريع قبل إعلانها عبر القنوات الرسمية؟ كذلك ألا يحتاج المواطن، الذي هو مسؤول من المجلس، أن يبرر له لماذا يشتغل مجلس النواب في أمور من غير اختصاصه، في الوقت الذي أمامه مشوار طويل ووعود مقطوعة من النواب برفاهية العيش لمنتخبيهم؟نأخــذ هنــا علــى سبيــل المثال مصر في تجربتها البرلمانية الطويلة، التي قامت بتنفيذ برامجها التدريبية لصالح العاملين بمجلس الشعب والشورى، من خلال التعاون مع كلية الاقتصاد والعلوم السياسية والتنسيق مع الأمانة العامة في المجلسين، وكانت البرامج عبارة عن ندوات نقاشية حول بعض القضايا السياسية والاقتصادية، وإعداد التقارير والبحوث. أما في الأردن يتم إعداد برنامج تدريبي بالتعاون بين الأمانة العامة لمجلس الأمة الأردني ومعهد الإدارة، وكذلك هي لبنان حيث ينفذ المجلس النيابي دوراته لمنتسبيه بالتعاون مع المؤسسة الدولية للإدارة والتدريب في لبنان، ثم إن معظم البرلمانات العربية تنفذ برامجها التدريبية من بين مؤسسات الخبرة الوطنية من كليات الحقوق والاقتصاد والعلوم السياسية وأقسام الوثائق والمكتبات، مما يوفر لمنتسبي المجلس الثقافة البرلمانية ويغطي جوانب النقص التعليمي من ناحية إعداد الميزانيات والمسائل القانونية.نشكر مجلس النواب على هذه الفكرة، ولكن نعتقد بأن البحرين بها من المؤسسات التعليمية والتدريبية والسياسية ما يمكن أن يغطي احتياجات المجلسين، ومنها معهد البحرين للتنمية السياسية، ومعهد البحرين للإدارة وجامعة البحرين ومعهد البحرين للتدريب، فقط على المجلس أن يقدم احتياجاته إلى هذه المؤسسات، وبالتأكيد ستحقق هذه المؤسسات أهدافهم وزيادة عليها، وإذا كان لابد من إنشاء هذا المركز، نرجو من مجلس النواب العمل على إعادة الدعم إلى السلع الغذائية، ووقف استقطاع 1% من رواتب المواطنين لدفعها للعاطلين، وزيادة الرواتب، وبعدها قد يكون المشروع معقولاً ومقبولاً.
Opinion
هل يتلاقى التقشف والتبذير؟!
03 يونيو 2015