إن الفوضى التي يشهدها العالم العربي تحت ما يسمى «الربيع العربي» وغيرها من الأمور والقضايا التي تنم عن تعطل المشهد الحضاري في مشرقنا، إنما تنبع من سياسة الإلهاء والالتهاء عن الأخذ بأسباب التقدم والتطور، بل هنالك من يقود هذا الإقليم نحو الرجعية والتخلف وقيم الدم.مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي بكل أصنافها، وعدم قدرتنا التحكم في مساراتها المختلفة نحو الفضاء الثقافي المرموق بين دول العالم، وعدم إمكانيتنا الاستقرار على منهجية علمية في التعامل مع هذا الحدث الأهم في القرن الحديث، ومع ضعف قدرة التعليم في الوطن العربي، وغياب دور الأسرة والدولة في تربية الإنسان نحو القيم الكبيرة، كل هذه الأمور وأكثر، شكلت نوعاً من الإلهاء الاجتماعي عن الأخذ بأسباب التطور في عالمنا العربي.أصبحت الأسرة العربية بعيدة كل البعد عن أبنائها، فكل فرد منها بات يهتم بنفسه فقط، أما الأطفال فإنهم أصبحوا على هامش الحياة، حيث من الممكن جداً أن يرمي الأب طفله في زاوية المنزل لمتابعة مباراة في كرة القدم، ومن المرجح أن تنسى الأم العربية أطفالها وتضحي بهم في سبيل إكمال ثرثراتها مع صديقاتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو في محلات الماركات العالمية. أما الدولة العربية غير الناجزة فإنها باتت منشغلة بتعديل أوضاعها الأمنية والسياسية والاقتصادية خشية تعرضها لمطبات الربيع العربي وعواصف الفوضى الخلاقة التي تأتيها من جهة الإدارات الغربية.كل هذا وأكثر شكل فجوة كبيرة بين أبناء هذا الجيل وبين الأسرة والدولة، فخرج من رحم عالمنا العربي قطيع من المتطرفين المسكونين بالطائفية، يجلسون فوق كومة قش من التعليم المترهل، إضافة لغياب وانسداد الأفق في ما يتعلق بالبناء الحضاري والأخلاقي والقيمي لأبناء العرب.اليوم هنالك غيبوبة وليس غياباً كما يظن البعض، وهذه الغيبوبة أودعت هذا الجيل في سجن التوحد الحضاري بطريقة أبعدته عن كل ما هو علمي، حتى شاعت الخرافات والمهاترات في أوساط مجتمعاتنا العربية، فأصبحت الطائفية والقتل والشتائم وغيرها من أدوات التخلف البشري عنصراً ومكوناً مهماً من مكونات الثقافة داخل مجتمعاتنا الحديثة، ناهيك عن اختفاء دور الأسرة في تنمية مهارات أبنائها في ما يتعلق بالسير نحو التحضر والعلم، أما بالنسبة إلى مناهجنا العلمية والدراسية فإنها باتت كالقشة المستضعفة بين ركام المعرفة.يجب علينا أن نتدارك السقوط المريع نحو القاع والذي لن يتحقق إلا بأسبابها، ولعل من أبرز تلك الأسباب هو الأخذ بزمام المبادرة، وحجز مقعد من مقاعد التقدم البشري وتطوير مناهجنا العلمية والدراسية، إضافة لكل ذلك إيمان الأسرة العربية بتنمية قدرات الإنسان نحو الفضيلة والمعارف الإنسانية والعلمية، وعدم إضاعة الوقت في أمور تشغلنا عن البناء والعطاء وتطوير الإنسان في سبيل بناء أوطاننا وفق مقاييس الحضارة.. هذه كل الحكاية.