لو أن تفجيراً ثالثاً يضاف إلى التفجيرين السابقين في القديح والدمام اللذين وقعا الجمعتين الماضيتين على التوالي يقع اليوم في مكان ما في المملكة العربية السعودية أو أي دولة خليجية بغض النظر عن أعداد الضحايا الذي سيخلفه؛ فإنه يعني أن قرار إدخال دول التعاون في المجهول قد بدأ تنفيذه وفق خطة تم اعتمادها، ويعني أنه صار على الأجهزة الأمنية ألا تكتفي بالخطوات الاحترازية والمسؤولين بالتصريحات، وإنما بعمل يشعر المواطنين الخليجيين والمقيمين في مختلف دول مجلس التعاون بأن هذا الاستهتار الذي يحدث يوجد من يتصدى له بقوة ويقضي على فاعليه.لا أحد يتمنى بالطبع أن يتكرر مثل ذينك العملين البغيضين، ولكن ينبغي أن يعرف المسؤولون عن الأمن في دول المجلس بأن عدم وقوع عمل إرهابي ثالث هذه الجمعة لا يعني أبداً أنه قد تمت السيطرة على الأمن، ولا يعني أن المواطنين والمقيمين اطمأنوا، بل لا يعني أن الإرهابيين قد خافوا أو راجعوا أنفسهم واهتدوا، فعدم حصول تفجير جديد قد يكون تكتيكاً من الإرهابيين أو تراجعاً عن التنفيذ في لحظة معينة لسبب آخر لا علاقة له بالاحترازات الأمنية. «تطورات الأوضاع تحتاج للحيطة والحذر وأن تكون الإجراءات الاحترازية على مستوى الأحداث الراهنة ومتناسبة مع أخطارها»، هذا قول مهم لسمو رئيس الوزراء وسمو ولي العهد تم التأكيد عليه في لقائهما الاثنين الماضي والبدء في تنفيذه على أرض الواقع، وهو أمر طيب دونما شك، لكنه يتأذى من أمرين؛ الأول هو أن الإرهابيين لن يعدموا وسيلة لتنفيذ العمليات الإرهابية فهم في بحث مستمر عن الثغرات، والثاني هو أن «المعارضة» تعتبر أن هذه الإجراءات من مسؤولية الحكومة وحدها، فتوفر بهذا التفكير الكثير من الفرص والثغرات للإرهابيين لينفذوا خططهم الإرهابية. اليوم تعيش المنطقة حالة لم تعشها من قبل، حالة تتميز بتغيرات تتسارع بشكل مخيف وتهدد كل مستقر وآمن، مثل هذه الحالة تتطلب توفير ظروف خاصة للتعامل معها واستيعاب المرحلة وتجاوزها. هذه المسألة للأسف الشديد لا تدركها «المعارضة» على اختلافها؛ بل لا تفكر فيها وكأن الأمر لا يعنيها. حالة تهدد حياة الجميع من دون استثناء، لذا فإن من الطبيعي والمنطقي أن يتصدى لها الجميع من دون استثناء. هذه الحالة لا يصلح معها الاستمرار في الخلافات التي تعتبر بالقياس ترفا لا يستفيد منه سوى الإرهابيين الذين لا يستطيعون أن يتنفسوا خارج هذه الأجواء. عندما يكون البيت في مأمن ولا يوجد ما يهدد أمنه واستقراره لا بأس أن ينشغل ساكنوه ببعضهم البعض ويتعاركوا، سواء على إدارته أو تطويره أو أنظمته، لكن عندما يتهدد البيت الخطر فلا مجال لكل هذا ولا مفر من تعاون الجميع ووقوفهم صفاً واحداً في وجه الأخطار المحدقة.هذا كلام وعمل العاقلين من البشر، وهذا يعني أن القول والعمل بعكسه يشكك في القدرات العقلية لأصحابه ويفتح الباب على مصراعيه للتشكيك في توجهاتهم وتوجيه الكثير من الاتهامات إليهم.عندما يحدق الخطر بالوطن والمواطنين فكل ما عداه لا يعتبر مشكلة ولا قيمة له، فمثل ما هناك مهم هناك أيضاً الأهم، والعاقل يقدم الأهم على المهم، وليس أهم من الذي ظل يعتبره البعض على مدى السنوات الأربع الماضية مهماً سوى هذا الخطر الذي يحدق بوطننا وملخصه الإرهاب. بمعنى أن الانشغال بذاك المهم يوفر الفرصة الذهبية للإرهاب ليعيث في الأرض فساداً ويقضي على كل مهم مهما صغر وقلت أهميته.الطريق الذي سيسلكه الإرهاب اليوم -لو كان قد حدد له هدفاً لتنفيذه- هو هذا الطريق الذي ترك أصحابه الأهم وانشغلوا بما كانوا يعتبرونه مهماً وصار بالنسبة لهم الأهم.
Opinion
.. هذه الجمعة أيضاً؟
05 يونيو 2015