الكل يشكو من الظروف القاسية التي يعيشها الإنسان؛ ظروف اقتصادية تجبر الأب على أن يذل نفسه من أجل الحصول على لقمة يسد بها الأفواه الجائعة التي تنتظره، ظروف اجتماعية تبعد الإنسان عن أخيه الإنسان بسبب محاولة جماعة ما السيطرة على حركة المجتمع، ظروف نفسية بسبب عدم قدرة الإنسان على تحقيق أحلامه ومشاريعه في الحياة التي يحيا، وهذا يقوده إلى الاكتئاب والابتعاد عن كل شيء، حتى عن كل طموحاته، وظروف روحية عن حاجة المرء للاطمئنان على إمكانية القيام بدوره في الحياة وإيصال الرسالة التي خلقه الله من أجل إيصالها إلى الآخرين من الذين يعيشون معه على نفس هذا الكوكب، أو الآتين بعده. السلبي يستسلم للواقع ويرضخ له، أو يتوقف عن الإبداع. أما الإنسان الإيجابي فهو يرى في كل ما يمر به من مصاعب فرصة للابتكار، والتفكير في الإتيان بأفكار غير مطروقة ومألوفة، ولنا في التاريخ القديم والحديث أمثلة. قرأت أحد القصص الواقعية الجديدة الطريفة والمعبرة عن قدرة الإنسان على الفعل، حتى ولو كان وراء جدران السجن، تقول القصة..أودع شاب أمريكي عمره 19 سنة في السجن بتهمة أنه استطاع أن يخترق المخابرات الأمريكية وسرق الكثير من الأسرار، وكان يلقب بالثعلب لدهائه، والد الشاب رجل كبير في السن، يعيش لوحده ويرغب أن يزرع البطاطس في حديقة منزله، ولكنه لا يستطيع لكبر سنه، فأرسل لابنه المسجون رسالة تقول: «ابني الحبيب.. تمنيت أن تكون معي لتساعدني في حرث الحديقة لكي أزرع البطاطس.. فليس عندي من يساعدني».بعد فترة استلم الأب رسالة من ابنه تقول: «أبي العزيز أرجوك.. إياك أن تحرث الحديقة.. لأني أخفيت فيها شيئاً مهماً، عندما أخرج من المعتقل سأخبرك ما هو».لم تمض ساعة على الرسالة، وإذا برجال الاستخبارات والجيش يحاصرون المنزل ويحفرون الأرض شبراً شبراً، فلم يجدوا شيئاً فغادروا المنزل، وصلت رسالة للأب من ابنه في اليوم التالي: «أبي العزيز.. أرجو أن تكون الأرض قد حُرثت بشكل جيد، فهذا ما استطعت أن أساعدك به، و إذا احتجت لشيء آخر أخبرني».يعلق ناقل القصة أنه «يستحق لقب الثعلب».عملياً أنا أنظر شخصياً إلى أن هذا هو نوع من أنواع الوعي الإيجابي في تحويل ما هو سلبي إلى إيجابي، وغاية في الإيجابية، فهذا الشاب المرمي في السجن لا يستطيع أن يساعد نفسه في التخلص مما هو فيه من معاناة، وهناك الوالد العجوز الذي لا يستطيع أن يقوم بما يريد القيام به من عمل، وهو حفر الأرض، كل شي يوضح لنا مدى قوة الظروف القاسية التي يعيشها الاثنان، الابن والوالد، ولكن لأن الابن يملك الذكاء الواسع والقدرة على التخيل والتحليل لما يمكن أن يكون، ابتكر الوسيلة القادرة على مساعدة والده دون أن يفعل شيئاً غير استخدام ما يملك من قوة التحليل والخيال.في كل الظروف التي تمر والمشاكل التي تعترض طريقك، لا تفكر في قسوة الظرف، ولا تفكر في المشكلة، قلّب الموضوع على أكثر من جهة، انظر إليه من جميع الجوانب وفكر في الحل، وسترى الحل يأتي إليك بدون تعب، ما عليك إلا أن تنفذه بدون تأخير.