أجمل تحية وأسمى تقدير للمملكة العربية السعودية التي يضرب قادتها كل يوم مثالاً في العزة والكرامة، حيث نعيش على أعتاب عهد جديد؛ عهد عودة الأمة، وها هي الأمور تتجلى وقرارات تثلج صدوراً طالما احترقت بنار القهر والضيم، وقلوباً ضجرت من كثر تراجع الأمة وخضوعها وانتظارها ورجائها في قرار دولي تتمنى أن ينصفها، أو أن تلوح أمريكا بكلمة لصالحها. إنها الأخبار الجميلة التي تتوالى، ومنها خبر بخط عريض على صدر الصحف الخليجية يقول إن «المملكة العربية السعودية قررت إلغاء بعثة كل من يسيء للدين وللوطن»، فأي خبر أجمل من هذا عندما يعاقب الخائن لدينه ووطنه ويجازى بالثواب المخلص لدينه والمطيع لولي أمره.الحزم والحسم والشدة لا بد أن تكون سياسة لكل دولة أرادت أن تظل سيادتها ممتدة وأمنها مستقراً، وما اتخذته حكومة خادم الحرمين من إجراءات وقرارات ضربت مثالاً في كيفية التعامل مع كل من يتسبب بالضرر للوطن والشعب، وأهم هذه القرارات إلغاء بعثة كل من يسيء للدين وللوطن، وهو قرار منسجم مع الأحداث التي شارك فيها طلبة الجامعات في الداخل والخارج وطلبة المدارس في بعض الدول الخليجية، ومنها البحرين، حين شارك الطلبة المبتعثون في المؤامرة الانقلابية.ومن العرف والمعروف أن لا يكافأ المعتدي والمفسد في الأرض، ومهما كان شكل هذا الإفساد؛ دينياً أو أخلاقياً أو مساساً بأمن الوطن، وأن العمل خلاف ذلك وتجاهل هذه المسائل، والتي يجب أن تتوفر في الطالب كي يكون نبتة صالحه ترعاها الدولة لتثمر لا أن تضر وتتوالد بسموم يتجرعها الوطن، وبالمقابل فإن من ابتعثوا جاؤوا سيوفاً تجز في أحشاء الوطن، وذلك حين استخدموا العلم والمناصب التي حازوا عليها نتيجة دراستهم الجامعية على نفقة الدولة للانقلاب عليها والتآمر مع أعدائها، أو يأخذهم الغرور للتعدي على الدين والنيل من زوجات الرسول وأصحابه.وإذا ما أخذنا على سبيل المثال ما حدث في البحرين أثناء المؤامرة الانقلابية، فإن أغلب المشاركين فيها وحتى رؤوس الإرهاب درسوا على حساب الدولة في مختلف العلوم وفي أحسن الجامعات، وكذلك من شارك معهم من طلبة مبتعثين ضمن برامج الدولة الخاصة، حيث يدرسون في أعرق الجامعات العالمية، لكن ما حدث أن الجميع عاد إلى مقاعد الدراسة وكأنه شيء لم يكن، رغم وجود الإثبات والدليل باشتراك بعضهم في المؤامرة الانقلابية.نعود لبرنامج الابتعاث في المملكة العربية السعودية، حيث تنبهت حكومتها لخطر المساواة بين المسيء بالصالح، وذلك عندما تنفق عليهما دون أخذها في الاعتبار الأضرار التي قد يتسببها هذه المبتعث لدولته ولدينه، وأن مبدأ العقاب والثواب هو تشريع إلهي لا يمكن أن يستبدل بنظريات أوفلسفات، أو يمكن أن تبرره منظمات أجنبية أوحقوقية، حتى تضغط هذه الأخيره على الدولة كي لا تستخدم سلطتها في حماية أمنها واستقرار وطنها، كما أكد سابقاً الملحق الثقافي السعودي بأستراليا الدكتور عبدالعزيز بن طالب، بأن الملحقية لن تتهاون في ما يسيء للدين والوطن لكونهما من الخطوط الحمراء التي يتم التعامل معها بحزم وشدة تصل إلى حد إلغاء البعثة.كما منحت وزارة التربية والتعليم بالسعودية إدارات التربية والتعليم عام 2012 صلاحية إيقاف المعلمين المسيئين للدين الإسلامي أو للرسول صلى الله عليه وسلم أو أحد الصحابة ونقلهم إلى وظائف غير تعليمية، أو من تبنى اتجاهات فكرية منحرفة تؤثر في الطلبة، حيث تعد هذه الصلاحية عقوبة رادعة لكل من يحاول أن يستغل وظيفته وتوظيفها لخدمة أهداف سياسية أو مذهبية، خاصة أن سلك التعليم هو الهدف الرئيس الذي يحاول أن يسيطر عليه المعادون للدين وللدولة، وقد شاهدنا في البحرين كيف تم استغلال الطلبة، بما فيهم تلاميذ الابتدائية، وكيف ملأت بهم الشوارع أثناء المؤامرة الانقلابية، وذلك بعد الشحن الطائفي والتحريض من قبل بعض إدارات المدارس ومعلميها من أصحاب الفكر المعادي للدولة.الأمر لا يجب أن يقف عند معاقبة المسيء للدين والوطن في نطاق البعثات، إنما يجب أن يطال جميع المجالات، ويجب أن يتعدى ذلك إلى عدم مساواة أي مسيء بانتفاعه بخدمات الدولة أو استمراره في منصبه أو فتح المجال له في الترقيات، خاصة أن هناك دولاً مرت بتجارب قاسية منها مؤامرات انقلابية، ولكن من هذه الدولة لم تتعظ، بل عادت بمن أساؤوا إلى مناصبهم وضاعفت ترقياتهم وواصلت في تعييناتهم في المناصب العليا، فماذا سيكون الجزاء؛ هل سيحمدون ويتأدبون مع الدولة؟ وهل سيحفظون الجميل؟ أبداً؛ فهم من درسوا على نفقة الدولة منذ أول ابتدائي ودرسوا الطب والهندسة وباقي العلوم على نفقة الدولة، هم أنفسهم من شاركوا من مقاعدهم، سواء طلبة أو مدراء أو حتى أصحاب مناصب رفيعة، كلهم وظفوا علمهم ومناصبهم في النيل من الدولة.إنها القاعدة الربانية التي قرن فيها الاستئجار بالأمانة، إنها أمانة الدين وأمانة الوطن التي يجب على أي دولة أرادت أن يبقى سلطانها وتعمر ديارها أن تستأجر وتستثمر في أبنائها من أصحاب الخلق القويم والفكر الصحيح والولاء التام، وأن أية دولة ستواصل على النهج الذي فيه تسترضي وتجامل وتحاسب، فلا بد أن يأتي الوقت الذي تدفع فيه ثمن تجاهلها للقاعدة الربانية.