حين تحل ذكرى نكسة 67، يصير العرب على موعد مع بكائية كربلائية لا تنتهي. ولا ينكر أحد أن هزيمة 67 كانت هزيمة قاسية وأن الخيبة والخسارة كانتا فادحتين؛ إلا أن توقف الشخصية العربية عند هذا التاريخ باعتباره نهاية التاريخ العربي الحديث ونسيان ما مهدت له من انتصارات أكتوبر 1973، يبدو أمراً غير مفهوم!!تركت نكسة 1967 آثاراً غائرة في الوجدان العربي؛ احتلال مساحات كبيرة من الأراضي العربية وهزيمة الجيوش العربية غيرت موازين القوى ومحاور اللعبة في المنطقة. وقد يكون العامل الأكبر في جرح المشاعر العربية الاستخدام غير الرشيد للإعلام الذي لجأت إليه القيادة المصرية حينها. شعر العرب بعدها بالتضليل والخديعة أكثر مما شعروا بالخيبة والهزيمة. وعلى الرغم من التحولات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي يؤرخ المفكرون لنشوئها نتيجة هزيمة 1967، إلا أن العزيمة العربية (الجريحة)، في حينها، لم تنكسر. إذ رفضت الجماهير تنحي الزعيم المصري جمال عبدالناصر. وأصروا على مواصلة المعركة معه وتقاسم نتائج الهزيمة سوياً.وعلى الرغم من فداحة الخسائر العسكرية العربية، والمصرية خاصة، في النكسة إلا أن مصر، بدعم من دول الطوق العربي ومن الجامعة العربية، دخلت في حرب عظيمة يجري التغافل عنها (عمداً) من أجل تضخيم هزيمة 67، وهي حرب الاستنزاف أو حرب الألف يوم كما يسميها الإسرائيليون التي أوقعت إسرائيل في مأزق اقتصادي وعسكري بسبب استمرارها لمدة ثلاث سنوات. فلجأت إسرائيل إلى أمريكا للتدخل لوقف الحرب مع المصريين. فعرضت أمريكا على مصر بنود معاهدة روجر لإيقاف الحرب. ووافقت مصر ضمن خطة متكاملة لاستكمال بناء منظومة الصواريخ وإعادة بناء الجيش المصري بالتحالف مع الاتحاد السوفييتي؛ تمهيداً لشن حرب أكتوبر 1973 التي كانت بحق انتصاراً مؤزراً في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي. تلك هي السردية المكتملة لنكسة 67. إنها خسارة معركة ضمن حرب كبرى. ولا يعني أبداً خسارة جولة أن النصر لن يأتي. فالخسارة التي مُني بها المسلمون في الرجال والعتاد في غزوة أُحد وبقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم كانت خطيرة وقاسية، لكن الإسلام لم يمح من الأرض يومها ولم ينكسر. ولم تتعطل مسيرة المسلمين في طلب النصر، بل تعلموا من خسارتهم أن يخططوا جيداً لمعركة الخندق وأن يستعيدوا ما خسروه وقد كان.ما يجب علينا استحضاره ونحن أمام حائط مبكى النكسة أن ذاك الزمن كان زمن الشرف العربي وإن لحقت به بعض الهزائم الكبيرة. كان العرب متوحدين أمام عدو واحد لا يعرفون غيره. كانت جيوشهم وقلوبهم لا تتبنى أي معارك جانبية حين يلوح في الأفق جيش الاحتلال الصهيوني. كان للعرب قضية يجمعون عليها وكان لهم مشروع يسعون لتحقيقه. ذاك زمن يستحق أن نبكي نكستنا في تبدده. اليوم لم تعد إسرائيل العدو الأوحد... بل يستحق تصنيفها عدواً للعرب إعادة صياغة فقد صار العداء مع الصهاينة وجهة نظر. اليوم صار الفلسطينيون أنفسهم الذين يرزحون تحت الاحتلال الصهيوني يتجادلون في خطورة المشروع الإيراني وصاروا يواجهون التمدد الداعشي داخل غزة. وصارت قضيتهم الأساسية التصالح بين الفصائل الفلسطينية وفك الحصار عن غزة. أما العرب فلكل همه الخاص ونكسته الخاصة وحروبه الطويلة الخاصة. تشرذم العرب. وهم في غمرة تشرذمهم يتهكمون على نكسة 67 التي خف وزنها وهانت وطأتها أمام نكباتنا ونكساتنا اليومية في القرن الحادي والعشرين.في ذكرى النكسة، التي أتفهم آثارها الخطيرة وأقدر مرارة من عايشوها وحزنهم. إلا أني أعبر عن أساي لعدم إجماع الأمة على الشعور بالحزن تجاه قضية واحدة أو معركة واحدة في هذا الزمن. فنحن نقف فرقاً وجماعات وطوائف تجاه كل معاركنا اليوم في سوريا والعراق وليبيا واليمن؛ فهناك من يؤيد وهناك من يعارض وهناك من يشارك وهناك من يتخابر وهناك من يحرض وهناك من يخون. لا رأيَ عربيا واحدا، ولا إجماعَ عربيا على أي شيء. زمن من التشرذم والتناحر لم يمر في تاريخنا قط. وكل نكسة وأنتم متحدون في حزنكم.