هضمت القيادات الإيرانية، أو ما يسمى ملالي قم، فكرة التوكيل والإنابة جيداً، وطرحوها للتداول في أسواق أسهم السياسة العالمية بعد إجراء تعديلات جوهرية عليها، فلاقت قبولاً واستحساناً من روسيا وفرنسا والصين والكثير من الدول المتقدمة، فضلاً عن أمريكا وإسرائيل، وتم اعتماد طهران فدخلت كشريك فاعل ومقتدر في إدارة الملفات الساخنة في المنطقة.وللحقيقة فإنه ليس بمقدور إيران، وهذا حجمها وإمكانياتها وما تعج به من وضع اقتصادي خانق وفوضى داخلية متصاعدة، أن تدير هكذا ملفات بالغة الحساسية والخطورة وبمفردها لولا التفاهمات المسبقة والدعم والتوكيل والإنابة.ومما ساعدها على النجاح هو تمكنها من تأسيس قاعدة شعبية منذ بدء الثورة الخمينية، فعولت عليها كثيراً، وعمدت في استغلالها للمذهب الذي استطاعت من خلاله أن تدغدغ مشاعر الكثير من عامة الشيعة العرب والعالم الإسلامي، حيث نصبت نفسها مرجعاً لهم وممثلاً عنهم دون تفويض ديني أو أممي أو حتى قبلي أو عشائري لتورطهم بعد ذلك ليصبحوا وقوداً لنهجها وتوسعها، ولتبدأ بنقل الثورة ومنذ أول عام على انبثاقها خارج الحدود الإيرانية (لكنها اصطدمت بصلابة وتماسك الجيش والشعب العراقي آنذاك، وبقيت حبيسة في قم لثماني سنوات عجاف).وبعد عقد ونيف على تلك الحرب الموجعة لجأت إلى السبات ثم المراقبة والترصد، ونجحت في إقناع أمريكا والغرب بأنها خير ظهير لهم في المنطقة للمشاركة في مسك وإدارة الملفات، ومن خلال ذلك تمكنت من بسط نفوذها، ثم تقمصت نفس الدور فأنابت من يمثلها ونأت بنفسها عن الاصطدام والدخول في أي حرب قد تكلفها الكثير، فلن تتورط بحرب بعد حربها المريرة مع العراق في ثمانينات القرن الماضي.وها هي اليوم المواجهة على أشدها في الصراع الدائر في اليمن الشقيق، والذي تورط به حلفاؤها الحوثييون أمام صلابة وإصرار قادة الحزم، فقد أوقعتهم في مأزق وشباك لا خلاص لهم منه البتة، وكذلك ورطت وكلاءها في الشام الجريح، والمراقب للأحداث يلحظ بوضوح تجنبها أن تقحم نفسها في مواجهة مباشرة، ويوجد من ينوب عنها عدة وعتاداً وتمويلاً ومقاتلين؛ تارة جيشاً نظامياً وأخرى مليشيات وحشداً، فاعتمدت على قيادات وساسة ورجال دين ومليشيات وجمعيات وأحزاب ومنظمات ليسوا في الغالب من أصول فارسية، وأغرتهم بأنها مناصرة لهم وللمذهب وزجت بهم في المحرقة.ولا تأخذك الدهشة عزيزي القارئ الكريم وتستغرب إن بحت لك بسر هو أن بعض وكلائها وعملائها محسوبون على السنة ومن أحزاب وقيادات وتنظيمات في بعض الدول العربية، لا مجال لكشف أوراقهم اليوم، والزمن كفيل بتعريتهم وإسقاطهم، وهنا يتضح مدى التغلغل والدهاء الإيراني! ومن الحكمة وليس من التثبيط أن تعترف بنقاط القوة في عدوك وتشخص نقاط الضعف فيك؛ فهي من جهة تناور وتفاوض وتعمل ليل نهار في كسب الوقت في ملفها النووي وتظهر معهم الجانب اللين أحياناً وتعرض شتى خدماتها المشروعة وغير المشروعة، ومن جهة أخرى نأت بنفسها عن أن تكون خصماً للكيان الصهيوني والدول الكبرى، بل على العكس؛ فقد فسحت وسهلت لهم كل الإمكانيات منذ احتلال أفغانستان ثم العراق، مما حولها إلى شريك أمين وصديق حميم... وللحديث بقية
Opinion
قبل فوات الأوان.. أخرجوا القاطرة الإيرانية عن السكة العربية (1)
08 يونيو 2015