متى يدرك مجلس النواب أن السلطة التشريعية، مسؤوليتها التشريع والرقابة، تشريع القوانين وإلزام الحكومة «السلطة التنفيذية» بتنفيذ ما يشرعه المجلس من قوانين، وما يضع من خطط، وما يرى من حلول ومخارج لمشكلات وأزمات تهم مصلحة المواطن وتؤثر على مكانة وسمعة الوطن، مثل مشكلة عجز الميزانية المفتعل وأزمة الدين العام المتعمدة.ويدرك أن مهمته ومسؤوليته الثانية التي أوكلها له الدستور هي الرقابة على السلطة التنفيذية، تتبع ما تتخذ من خطوات وإجراءات وقرارات وتصرفات، والتصدي لها بالمناقشة والمحاسبة والرفض والتصحيح واستبدالها بإجراءات أو قرارات أخرى صحيحة ومتفقة مع التشريعات التي أقرها أو عدلها المجلس وصدرت رسمياً.مسؤولية التشريع والرقابة جعلت من السلطة التشريعية هي السلطة الأولى في النظام الديمقراطي، السلطة التي تطلب من الحكومة أن تنفذ ما تقرره ويصدر عنها من مواقف وقرارات، وليس السلطة التي تأمل وتتمنى وتقترح وترغب أن توافق السلطة التنفيذية على ما صدر منها من تشريعات ورقابة.مؤخراً زادت السلطة التشريعية «مجلس النواب» على ما لديها من خنوع إلى الإكثار من تحذيراتها وتهديداتها للسلطة التنفيذية، ومن ثم لا تلبث أن تتراجع عن تحذيراتها وتهديداتها إلى الموافقة على ما تراه وتطرحه الحكومة، حدث ذلك قبل أن تطرح الحكومة برنامج عملها بالتحذير والتهديد بأننا -أي النواب- لن نوافق على البرنامج إذا لم يتضمن كذا وكذا وإذا لم يقدم برامج لإنجازات مشروعات الإسكان وإذا لم يقدم ما يؤدي إلى تقدم التعليم والصحة ويبين كيفية إعادة الدعم لمستحقيه من المواطنين، ويضع برنامجاً محدداً ومزمناً لإنهاء العجز في الميزانية والدين العام، وغيرها الكثير.وكرر النواب نفس التهديدات والتحذيرات قبل أن تصدر الميزانية -التي تأخرت كثيراً- وبعد صدور الميزانية وحتى اليوم ووصلت هذه المرة إلى التهديد بمقاطعة جلسات المجلس والانسحاب منه، وقبل أن تبلغ تهديداتهم صداها تكون السلطة التنفيذية قد فعلت ما تشاء ومررت ما تريد، وغداً سيوافق النواب على الميزانية كما وافقوا على برنامج الحكومة، وذلك بعد أن تخلوا عن مسؤولياتهم وأدواتهم الدستورية، ونسوا أو تجاهلوا المثل البحريني الذي يقول (عز نفسك تنعز).