وصلت إلى مرحلة أكاد فيها لا أصدق أي مسؤول يقول لي بأن تحركاته وخطط وزارته وقطاعه مبنية على «آراء الناس»، وأن حراكه قائم على توجهاتهم وما يريدونه.طبعاً السبب في ذلك يتمثل بأن كثيراً من الحراك المؤسسي الرسمي يكون في اتجاه معاكس لما يريده الناس وما يطالبون به.هل أنتم بالفعل تقيسون اتجاهات آراء الناس وتوجهاتهم؟! هل بالفعل تكترثون لما يقوله الناس أصلاً؟! هل هناك أخذ في الاعتبار لما يعبرون عنه من استياء، وما يطرحونه من ملاحظات؟!إن كان جواب المسؤولين بـ«نعم»، فاسمحوا لنا بالقول هنا بأن حكمنا على عملية التواصل هذه لا يخرج عن توصيف «الفشل»، والدلالة على ذلك بأن هناك سخطاً شعبياً على كثير من القرارات والتوجهات، هناك موجة استياء كبيرة إزاء بعض المسائل، هناك تذمر واضح، وهناك قول صريح من الناس بأن «صوتهم غير مسموع».في الانتخابات الماضية كان الشعار الرئيس هو «بصوتك تقدر»، وهذا الشعار وضع موضع الاختبار الحقيقي منذ بدأ البرلمان الجديد عمله، وللحكم عليه يجب الاستماع للناس ومعرفة حكمهم عليه، وحكم الناس بات واضحاً من خلال ما يعبرون عنه عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي باتت أصدق وسيلة ووسيط يمكن من خلاله معرفة رأي الناس بـ«تجرد»، لا معرفة رأي الناس من خلال الإعلام الرسمي الذي يضطر لتجميل الصورة، أو حتى الإعلام المقروء الذي مازال غالبه يعيش في إطار الخطوط الحمراء التي يضعها القائمون على الصحافة أنفسهم بسبب اعتبارات عديدة أهمها أسلوب تعاطي بعض المسؤولين الرسميين. في هذه المواقع حكم الناس على الشعار «بصوتك تقدر» بأنه شعار غير واقعي، لأن الممارسات سواء النيابية أو الحكومية لم تثبت نسبة المصداقية العالية له، لأن «صوت» الناس في اتجاه وحراك البلد وحراك السلطة التشريعية في اتجاه آخر، إلا من رحم ربي من بعض النواب الذين مازالوا مصرين على إثبات مصداقية شعاراتهم التي قدموها للناس في حملاتهم الانتخابية.تريدون معرفة الناس؟! إذاً اتخذوا خطوات جريئة في هذا الاتجاه. أولها يتمثل بأن يكون الوزير أو المسؤول متقبلاً للنقد، وللنقد القاسي، أن تكون خطوط تواصله مفتوحة على الجميع. أين هي الاجتماعات الأسبوعية بين الوزراء والناس؟! أين هي زياراتهم للمجالس الشعبية؟! أين هي تنقلاتهم وسط الناس وجولاتهم الميدانية؟! بعضهم وهم قلة قليلة قد لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، والسواد الأعظم لا يعرف الناس إلا حينما يعلو صوتهم وتتكشف مصائب بشأن أداء قطاعه، حينها يحاول «لملمة» الأمور ويصرح بالقول الشهير «نعمل لأجل خدمتكم»!لديكم هيئة حكومة إلكترونية، تتفاخر دوماً بجوائزها الإقليمية والدولية، وتبرز دائماً جودة خدماتها الإلكترونية، بالتالي لماذا لا تربط كل وزارة عملها بالهيئة «أعرف ستقولون نفعل ذلك» لكن ما نعنيه هو ربطها من ناحية توصيل رأي الناس، عبر فتح خطوط مباشرة وتواصل تفاعلي حي مع الجهات، بحيث يوصل المواطن رأيه.وإن كان ما نقوله موجوداً، فإنه موجود بأسلوب خجول لا تبرز نتائجه، بالتالي استعينوا بالهيئة أو أي جهة أخرى كالإحصاء مثلاً لإنشاء استبيانات إلكترونية يمكن للمواطن أن يمليها من مكانه ويعبر فيها عن رأيه بصراحة، سواء بجعلها مشروطة بوضع الاسم والرقم السكاني مع ضمان عدم تضرر الشخص من كلامه الصريح «اليوم أصبح الناس لا يخافون من قول الحق» أو حتى جعلها اختيارية بدون وضع المعلومات.والفكرة هنا «حتى لا تضيع السالفة» ليس بخلق حالة للناس بهدف «التنفيس» بقدر ما يكون حرصاً من الدولة على معرفة اتجاهات الناس ورأيهم ومطالباتهم، بحيث تكون المخرجات تمثل «مؤشرات قياس» لمدى رضا المواطن أو استيائه، تكون أساساً لبناء الخطط والاستراتيجيات، أو تكون ملاحظات للتصحيح والعمل لتحقيق ما يرضي المواطن.من يريد قياس رأي الناس بشكل حقيقي، يعمل جاهداً على ذلك. ومن يقول بأن حراكه قائم على توجهات الناس، لابد وأن يثبت بأن عمله بالفعل يستهدف الناس من خلال كشف نسب رضاهم عنه.أما أن نورد المواطن هكذا في أي تصريح، وأن «نتقول» عليه بأن خططنا مبنية عليه، في مقابل أن المواطن جالس «يتحلطم» ويزيد تذمره واستياؤه، فإننا نخدع أنفسنا قبل أن نخدع البشر.