يبدو أن الدورة الطبيعية للحياة الديمقراطية وصلت إلى أبواب إسطنبول، حيث عجز حزب العدالة والتنمية عن الفوز بأغلبية مطلقة تؤهله إلى تشكيل حكومة ذات لون واحد، كما تعود طيلة عقد من الزمن.هذه المرة سيكون «العدالة والتنمية» مضطراً إلى التحالف مع «أعداء الأمس» إذا رغب في البقاء على رأس السلطة، وإلا فسيكون حزب المعارضة الوحيد في البرلمان في حال استطاعت أحزاب المعارضة «حالياً» التوافق على تشكيل حكومة متعددة الأفكار والاتجاهات والأعراق.ما جرى في تركيا اليوم يعني أن الشعب استطاع الاستيقاظ من غفلة السنوات العشر الماضية، وفهم بصورة لا لبس فيها أن «العدالة والتنمية»، ورغم ما حقق من إنجازات على المستوى الاقتصادي والتعليمي والصحي الداخلي، فقد تخلى عن حلم الأتراك الأكبر، وهو الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وبدلاً عن ذلك شغلهم في قضايا إقليمية وتدخلات غير مبررة بالنسبة لهم في دول الجوار، بل وخلق لهم كثيراً من العداوات في المنطقة من خلال الدعم المطلق لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، والدعم الخفي الذي قدمته حكومته إلى بعض التنظيمات الإرهابية في سوريا والعراق وغيرها، وهو ما تأكد بتقارير مخابرات ألمانيا وفرنسا وبريطانيا. الناخب التركي رفع البطاقة الحمراء في وجه السياسة الخارجية لحكومة «العدالة والتنمية»، ورفعها في وجه خلق ديكتاتور مطلق الصلاحيات، خصوصاً بعد رغبة أردوغان بتحويل الدولة إلى النظام الرئاسي، وهو ما يرى فيه جل الأتراك هدماً لقواعد الديمقراطية التي ساهموا في بنائها على مدى العقود الماضية.خيارات «العدالة والتنمية» اليوم محدودة للغاية، وهي القبول بالتحالف مع أحد أحزاب المعارضة لتشكيل حكومة ائتلافية؛ لكن السؤال المطروح هو؛ هل ستقبل أحزاب المعارضة بالتحالف مع «العدالة والتنمية»؟من الواضح أن الإجابة على هذا السؤال تتطلب قراءة في أفكار وأيديولوجيات الأحزاب، والأهم التنبه إلى التصريحات التي أطلقتها زعامات هذه الأحزاب بعد إعلان نتائج الانتخابات؛ فحزب الشعب الجمهوري، الثاني في الترتيب، وحزب الحركة القومية اشترطا أن يتخلى أردوغان عن الإقامة في «القصر الأبيض»، الذي انتقل إليه عقب فوزه بالانتخابات الرئاسية، والعودة إلى القصر الجمهوري القديم، وهو ما يحمل دلالة واضحة بالرغبة في تقزيم دور أردوغان، وإبقائه ضمن صلاحياته الدستورية المحدودة، إضافة إلى اعتبارهم بأن هذا الانتقال بذخ لا معنى له.من الواضح إلى الآن عجز «العدالة والتنمية» عن تشكيل حكومية ائتلافية، وهو ما يعني أن تتحالف أحزاب المعارضة، وهذا أمر مستبعد أيضاً، وبالتالي فإن الأمور ستعود إلى المربع الأول، وهو إجراء انتخابات مبكرة لحسم موضوع تشكيل الحكومة.- ورق أبيض..من الواضح أن الفائز الأكبر في الانتخابات التركية كان حزب الشعوب الديمقراطية، والذي يمثل الأكراد، حيث فاز بمجموع 80 مقعداً في البرلمان وبنسبة 13.12%، وذلك بعد أن تحالف مع الأقليات والمهمشين في المجتمع، وظهر بأنه الحزب الراعي لمصالح الفقراء والعرقيات والمهمشين في المجتمع. أهم ما يميز الحزب إيمانه الكبير بـ«الجندر»، حيث يترأس الحزب شخصيتان إحداهما نسائية، وتمثل النساء 50% من عدد قيادات الحزب، وبالتالي فقد قدم نفسه أيضاً بأنه نصير حقيقي للمرأة والمدافع الأول عن حقوقها.
Opinion
المولد التركي.. بلا حمص (1)
16 يونيو 2015