الاتفاق الذي توصلت له السلطتان التشريعية والتنفيذية «على تشكيل لجنة مشتركة لدراسة المبادرات الحكومية المتعلقة بإعادة توجيه سياسة دعم السلع الرئيسة والمواد الغذائية»، هذا الاتفاق يبقى ناقصاً ولن يؤدي إلى توافق مواقف السلطتين، ولا إلى قناعة عموم الشعب إذا لم تسبق إعداد وتقديم مبادرات الحكومة دراسة علمية واقعية متخصصة ومن جهة محايدة.إن التطورات والمبادرات التي اتخذتها الحكومة في السنوات الماضية والمتعلقة بإلغاء أو تقليل الدعم على هذه المادة أو تلك والتي لاقت دائماً الرفض من السلطة التشريعية ومن عموم الناس، واضطرت الحكومة إلى إلغاء أو التخلي عن تلك المبادرات، كل ذلك حدث بسبب غياب الدراسة العلمية لواقع سياسة الدعم ومجالاته وكلفته الحقيقية والمستفيدين منه والمستحقين له ولماذا، وكيفية تقديم هذا الدعم لهؤلاء المستحقين مستقبلاً.فالدول، ومنذ سنوات طويلة لا تخطو خطوة ولا تتخذ إجراء ولا تشرع قانوناً أو نظاماً يمس أي مجال أو جانب من جوانب الحياة، إلا سبق ذلك تكليف جهة صاحبة خبرة وتخصص بإعداد دراسة حول الموضوع المراد تطويره أو تغييره، والسلطات التشريعية في هذه الدول لا تقبل من السلطات التنفيذية تقديم مبادرات أو مشروعات قوانين إلا بناء على دراسة علمية مفصلة غنية بالوقائع والمعلومات ومعتمدة على التحليل ومنتهية بالنتائج ومقدمة للخيارات المقترحة والمبينة للسلبيات والإيجابيات والخسائر والأرباح.بل إن السلطة التشريعية هي الأخرى لا يقدم أعضاؤها مشروعاً إلا بناء على دراسة أعدت من جهة استشارية مختصة ومحايدة وبعيدة عن الحكومة، وبالتالي تصبح مناقشة المشروعات والمبادرات سواء قدمت من السلطة التنفيذية أو التشريعية أو من لجنة مشتركة منهما على ضوء ما جاء في الدراسة من معطيات.وعندما تمس المبادرات موضوع الدراسة حياة المواطنين ومستقبلهم ومداخيلهم والتزاماتهم فإن الدولة - ممثلة في السلطتين- ملزمة بإطلاع المواطنين من خلال وسائل الإعلام المرئية والمقروءة على محتويات الدراسة والنتائج والاقتراحات التي تمس حياتهم ويتطلب منهم الموافقة عليها والالتزام بها، على أن تؤخذ ردود أفعال المواطنين بالاعتبار عند مناقشة مقترح المبادرات من قبل السلطة التشريعية، وعلى رأسها مبادرات الدعم التي على اللجنة المشتركة أن تخضعها للدراسة أولاً وثانياً وثالثاً.
Opinion
الدراسة أولاً
17 يونيو 2015