لم تقف الخطة الخمينية الخمسينية عند تغلغل عملاء إيران في المؤسسات الحكومية والاقتصادية بدول الخليج؛ بل دفعتهم إلى العبث باقتصادها بعد أن تمكنوا من السيطرة على الأعمال التجارية التي تعود عليهم بالربح الوفير، وهذا العبث جاء بأشكال وأنواع لا تترك أثراً وريبة لدى المسؤولين في الدولة، وذلك حين عمدوا إلى تدمير المصانع الوطنية، ومنها الشركات النفطية، حتى وصلت لمرحلة عدم القدرة لتطوير إنتاجها، أو استيعابها للموارد النفطية ومنها الغازية، والتي على أساسها تم إنشاء شركات نفطية بأسماء مختلفة بدعوى تطوير الصناعات النفطية، وهي أيضاً ضرب للاقتصاد واستنزاف لموارد الدولة، وكذلك سعى العملاء إلى زعزعة اقتصاد النقل الجوي، حيث تحصد الدولة ثمار كساد شركة طيران عملاقة، وكذلك البنوك التي حزمت ملفاتها وطارت لتستقر في دول أخرى، جميعها أسباب لم تكن محسوسة ولا ملموسة، لأنها كانت تسير وفق خطة طويلة النفس وتستبدل آليتها في بعض الدول حسب الظروف، وقد جاء هذا الكلام واضحاً، بل قال وبالحرف: «إذا استطعنا أن نزلزل كيانات تلك الحكومات ونشتت أصحاب رؤوس الأموال ونجذبها إلى بلادنا، أو إلى بلاد أخرى في العالم، نكون بلاشك حققنا نجاحاً باهراً لأننا أفقدناهم أهم أركان الدولة التي تبني كل أمة وشعب عليها وجودها واستمرارها «القوة التي تملكها السلطة الحاكمة، العلم والمعرفة عند العلماء والباحثين، والاقتصاد المتمركز في أيدي أصحاب رؤوس الأموال».وبالتأكيد فإسقاطات هذه الخطة تأثرت بها البحرين كثيراً، ولا بد أن نسأل كيف اهتز الاقتصاد في ظل عدم تدارك الدولة لمراجعة أسبابه، وهو الأمر الذي يكشف لنا أن هناك أيادي خفية كانت تمارس التقية في توجيه الاقتصاد، تلك التي استطاعت أن تكون مقربة وظهرت في صورة الواعظ المحب، وهو دور أنيط له في تكوين العلاقة والصداقة مع المسؤولين، حيث إن الترشيح يأتي بعد دراسة الشخصية ونقاط قوتها، فمنهم من يلعب دور المعارض ومنهم من يلعب دور رجل الدين الموالي حتى تكافئه الدولة بمنصب، ومنهم من يقوم بدور الاقتصادي وحلال المشاكل.كل ذلك جاء بالتفصيل في هذه الخطة التي تقول «العلاقة والصداقة مع أصحاب رؤوس الأموال في السوق والموظفين الإداريين، خاصة الرؤوس الكبار والمشاهير والأفراد الذين يتمتعون بنفوذ وافر في الدوائر الحكومية»، فكيف إذا كان لهؤلاء العملاء نفوذ وافر في الدوائر الحكومية، خاصة إذا كانت دائرة يمكن العمل من خلالها الكثير، ويمكن من خلالها ضرب الاقتصاد وفق القوانين بدعوى أنها اقتراحات، ومنها تلك التي تشجع الدولة على تبنيها، خاصة إذا كانت فيها موارد مالية بمئات الملايين، ولذلك كان من أسباب تدهور الاقتصاد مشاريع ظاهرها مربح وباطنها مفلس، وبالفعل ظهر هذا الإفلاس عندما اعتمدت الدولة مبدأ الربح الفردي في السنوات الأخيرة، وتركت الشركات الوطنية دون الانتباه إلى الحالة السيئة التي وصلت إليها، حتى أصبحت شركات تمولها الدولة من ميزانيتها، مما أدى إلى عجز الميزانية، هذا العجز الذي يستغله العملاء للتحريض على الدولة، وتصويرها عاجزة عن إعالة شعبها. وها نحن نشهد مواقع التواصل الاجتماعي التي استطاع العملاء اختراقها من خلال توظيف أصحاب النفوس الضعيفة والثقافة الضحلة، يتلاعبون بعواطف المواطنين في موضوع رفع الدعم عن بعض السلع الغذائية، في الوقت الذي لا ينطقون فيه بحرف واحد عن هيئات تضيع مئات الملايين.وهذه رسالة موجهة من شورى الثورة الثقافية الإيرانية تعترف بطول نفسها: «لا تفكروا أن خمسين سنة تعد عمراً طويلاً، فقد احتاج نجاح ثورتنا خطة دامت عشرين سنة، وإن نفوذ مذهبنا الذي يتمتع به إلى حد ما في الكثير من تلك الدول ودوائرها لم يكن وليد خطة يوم واحد أو يومين، بل لم يكن لنا في أي دولة موظفون فضلاً عن وزير أو وكيل أو حاكم»، إذاً فقد نفذ جزء كبير من مخططهم الصفوي، هذا بعد أن أصبح لديهم موظفون ووكلاء ووزراء.بالتأكيد لن يستطيعوا أن يحققوا لهم المراد، طالما أن هناك في الدولة من يحمل همها ويناضل بنفسه وصحته للحيلولة دون نجاح الخطة الخمسينية، حيث إن هناك من كبار المسؤولين من لديهم وعي ويقظة، وكانوا من السدود المنيعة التي تمكنت من إعادة الاقتصاد، وذلك حين تتم العودة إلى ذلك الفكر النير الحكيم الذي جعل من البحرين أول دولة خليجية تنطلق منها طائرة ركاب، وستعود ركيزة الاقتصاد العملاق التي انطلقت من المنامة لتأخذ مكانها في البحرين.حان وقت مراجعة الحسابات مع الانقلابيين الذين ساهموا عبر المؤسسات التي كان لهم فيها نفوذ في زعزعة الاقتصاد، وهذه المراجعة وإعادة النظر تحتاج عزماً وإرادة بأن تحرر البحرين من آثار القبضة الصفوية، التي لن يهدأ لها بال إلا عندما تعيش الساعة التي ترى فيها علم إيران يرفرف على دار الحكومة.