تحولات جارية في الشرق الأوسط بهدوء، تأتي في توقيت هام بعد قمة كامب ديفيد التي لم تحقق نتائجها أمريكياً حسب قناعة خليجية، وهي تحولات من المتوقع أن تظهر نتائجها في الفترة الممتدة من نهاية رمضان الجاري إلى نهاية العام. منذ أربع سنوات كانت هناك تطلعات وتعويل خليجي على أن يكون هناك دور فاعل لموسكو في أمن الشرق الأوسط بدلاً من مواقفها التقليدية التي اعتدنا متابعتها إعلامياً عندما تدعم كلاً من طهران ودمشق لمصالحها الاستراتيجية مع هاتين العاصمتين. هذا التطلع والتعويل جاء من درس سياسي هام عندما تم اكتشاف محدودية المصالح المشتركة بين دول مجلس التعاون الخليجي وروسيا، بعد أن اهتمت الأولى لعقود طويلة بتركيز مصالحها مع الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي. وهذه الحقيقة تعني أنه من الصعوبة بمكان كسب تأييد ودعم موسكو للقضايا الخليجية والعربية عموماً وللسياسات الخارجية الخليجية. خلال شهور قصيرة، نشطت الدبلوماسية الخليجية بتفعيل علاقاتها مع العاصمة الروسية، فزيارات المسؤولين الخليجيين إلى موسكو أكثر من نظيرتها التي تمت إلى واشنطن على سبيل المثال خلال فترة 10 شهور. وكان لافتاً الفتور الخليجي تجاه قمة كامب ديفيد، في مقابل الاهتمام الكبير بالدب الروسي (أبرز الزيارات: زيارة جلالة الملك حمد، وزيارة ولي عهد أبوظبي في أكتوبر 2014، زيارة ولي ولي عهد السعودية في يونيو 2015).ويجري الآن الحديث عن استثمارات خليجية بمليارات الدولارات في موسكو، ومشاريع مشتركة لتطوير الطاقة النووية السلمية مع السعودية. وكان لافتاً الزخم الذي حظيت به زيارة ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان للعاصمة الروسية، وخطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي دعا المشاركين في مؤتمر سانت بطرسبرغ الاقتصادي الدولي إلى تحية البحرين. كما تم الإعلان عن زيارة هامة مرتقبة للعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز إلى موسكو في الخريف المقبل. هذه التطورات المتسارعة لن تنتهي بدون نتيجة، بل من المتوقع أن تظهر نتائجها في المواقف الروسية تجاه الأزمتين السورية واليمنية، وإذا شهدت مواقف الدب الروسي تحولات فإننا أمام تغيّر في مسارات الصراع بالشرق الأوسط من شأنه أن يساهم في تعزيز الأمن والاستقرار، ومن شأنه أيضاً أن يحد من نفوذ أطراف إقليمية من مصلحتها استمرار حالة الفوضى وزعزعة الاستقرار في المنطقة مثل طهران وبغداد ودمشق. تعظيم المصالح وتنويع مصادرها لابد أن يكون من المبادئ الأساسية للسياسات الخارجية الخليجية التي لم تنتقل حتى الآن إلى مرحلة السياسة الخليجية المشتركة رغم ارتفاع درجات التنسيق. وهذا المبدأ سيكون مفيداً مع الدب الروسي، وغيره من القوى الإقليمية والدولية الأخرى.