«الدولة المتوحشة»؛ مصطلح سياسي ليس بجديد، بل كتبت حول هذه الظاهرة العديد من المؤلفات التي تتناول حالة انتقال الدولة من التعامل السلمي إلى التعامل الوحشي مع المواطنين أو حتى في علاقاتها الخارجية. هذا النمط من الدول ظهر لنا مع بداية الألفية الجديدة عندما تم الغزو الأمريكي للعراق، وانتقل من بلد لآخر، حتى باتت لدينا دول عربية متوحشة تختلف تماماً عن محيطها وإقليمها العربي. الدولة المتوحشة تختلف تماماً عن الدولة البوليسية، وبالتالي فإن الأولى تتسم بتزايد نزعات التطرف والإرهاب وتعاني بشكل مزمن من عدم الاستقرار، ومن نماذج هذه الدولة كمثال الدولة العراقية، والسورية، وحتى الليبية. لن نتناول كثيراً تفاصيل وسمات وخصائص الدولة المتوحشة، ولكننا سنتحدث اليوم حول كيفية تعامل دول مجلس التعاون الخليجي مع هذه الدول. بداية فإن دول المنظومة الخليجية هي من أكثر البلدان العربية استقراراً حالياً رغم التحديات الأمنية التي تواجهها في الوقت الراهن، ومع ذلك فإن مجاورتها لمجموعة من الدول المتوحشة يفرض عليها تحديات ومستقبلاً غامضاً. وقد يكون أهم السمات التي قد تطرأ على العلاقات بين الجانبين هي العلاقات الحساسة، والسياسات المتناقضة. يمكن اليوم تجربة هذه الحساسية في العلاقات كما يجري اليوم، ففي الوقت الذي تدعم فيه دول المنظومة الخليجية بغداد وتساهم في التحالف الدولي لمواجهة تنظيم داعش الإرهابي، تبادلهم حكومة بغداد المصالح والتقدير وتقوم بتدريب وتسليح الخلايا الإرهابية وتنشرها في البحرين والسعودية من أجل زعزعة أمن واستقرار هذه الدول. سياسات خارجية وعلاقات ثنائية متناقضة من المتوقع أن تتسم بها علاقات دول الخليج مع الدول المتوحشة، خاصة وأن هذه الدول لا يتوقع لها الانتهاء أو الخروج من هذه الحالة سريعاً، بل وليس منطقياً عودة الاستقرار والأمن فيها قريباً أو على مدى زمني يصل إلى 20 عاماً من اليوم. دول مجلس التعاون الخليجي قررت التورط في الأزمات الإقليمية كخيار استراتيجي -وهو خيار صحيح وضروري- ولكن عليها في الوقت نفسه بحث خياراتها في مرحلة ما بعد التورط في الأزمات الإقليمية التي نراها اليوم في صنعاء وبغداد ودمشق، إذ ليس من المعروف كيف سيتم التعامل مع الحكومات المستقبلية في هذه الدول الثلاث، أو حتى مع عدد أكبر من الحكومات إذا ارتفع عدد الدول المتوحشة، أو زاد عددها الحالي نتيجة الانقسام المحتمل قريباً.