هناك انطباع عام بأن معظم أعضاء مجلس النواب يعتقدون أن مجلسهم لا يتخذ قرارات، وأن صلاحياته التي يتمتع بها لا ترتقي إلى مستوى تحقيق طموحات الشعب الذي انتخبهم، وبالتالي فليس أمامهم إلا الاهتمام بأمرين: القيام بدور نواب الخدمات من خلال مساعدة أبناء دوائرهم في الحصول على منفعة هنا ومصلحة هناك، والأمر الآخر تأمين مستقبلهم الذاتي مادياً بالاستفادة من المبلغ الذي يحصلون عليه شهرياً وزيادة معاشهم التقاعدي قدر الإمكان..وما حصل مؤخراً من موافقتهم السريعة على الحصول على تقاعد العامين ومبلغ الـ4000 دينار وهو المقترح المعد والموافق عليه والمدعوم من مجلس الشورى، لدليل على أن المصلحة المادية الخاصة تتقدم على المصلحة العامة حتى لو كانت الظروف الاقتصادية، والوضع المالي للدولة يتطلب غير ذلك.أصل الحكاية أن أغلب الذين ترشحوا ووصلوا إلى مجلس النواب لم يأتوا بدعم من كفاءة أو خبرة أو مشروع أو لتحقيق أهداف مبنية على دراسات، كما هو الحال بالنسبة للمترشحين في برلمانات الدول الديمقراطية، وإنما جاؤوا بإغراء من المبلغ المخصص للنائب ومعه الامتيازات الأخرى، وهو المبلغ الذي تحدد في مرسوم مجلس الشورى والنواب عام 2002 بمكافأة مقطوعة يحصل عليها النائب قدرها 2000 دينار.ومع أنها مكافأة مبالغ فيها واعتبرت وقتها بمثابة إغراء وتشجيع على ترشح الكفاءات والخبرات، وأنها ستقف عند هذا الحد، إلا أن الإغراء توسع والمكافأة تضاعفت بعد ذلك حتى وصلت إلى مبلغ 4750 ديناراً، وهو مبلغ كبير قياساً بالإمكانيات المتوفرة لدى النائب والمسؤوليات الملقاة على عاتقه والوقت الذي يقضيه في العمل والعطلة الطويلة التي تمنح له.كل هذه الإغراءات وغيرها جعلت النائب يتحول من مواطن متطوع للخدمة العامة يتقاضى مكافأة رمزية نظير ما يقدمه من تضحيات وطنية إلى موظف تم اختياره وتعيينه في وظيفة معينة بدرجة (نائب)، وهي وظيفة تمنحه حق الحصول على راتب وعلاوات وبدلات وامتيازات ومن ثم معاش تقاعدي تماماً مثل أي موظف حكومي كبير.وما هو مطلوب الآن، ربما من الناخبين، أو الصحافة والإعلام أو أي جهة غيورة على مصلحة هذا الشعب، هو تصحيح وضع النائب ليكون مواطناً متطوعاً لخدمة عامة بنظام المكافأة، وليس موظفاً خاضعاً لقانون الخدمة المدنية، هو مرتبط بشركته أو مؤسسته قبل وأثناء وبعد أن يترك مجلس النواب، فبأي حق يتقاعد مرتين و«ثلاث».