ليس مفهوماً كيف يمكن لشخص ينتمي إلى «المعارضة» أن يقوم بمهمة مد جسور التواصل بين الفريق الذي ينتمي إليه والأطراف الأخرى، وإذا كان ممكناً فعل ذلك مع من يتقاسم مع فريقه الفكر والهوية والهوى؛ فهل يمكن لهذا أن يحدث مع من يشارك فريقه الساحة من جمعيات سياسية أخرى تختلف مع فريقه في كل شيء؟ وإذا كان هذا ممكناً بشكل أو بآخر؛ فكيف له أن يفعل مع الجانب الرسمي؟ واقع الحال يؤكد أن هذا الشخص (أو غيره) لا يستطيع أن يمد جسور التواصل بين الجمعيات السياسية المتقاربة في الفكر وفي الهدف (وعد والتقدمي مثلاً) والتي ينتمي إلى إحداها وتتناصفان تاريخاً، فكيف له أن يمد الجسور بين هذا الفريق وذاك الذي يختلف مع الفريق الذي ينتمي إليه في أمور أساسية كثيرة؟ وكيف له أن يصير وسيطاً بين كل هذه الجمعيات والقوى السياسية وبين الحكومة التي لا تعترف به وترفض الكثير مما تمارسه تلك الجمعيات السياسية التي تعتبرها سبباً في تعقيد المشكلة؟ ليس هذا تكسيراً للمجاديف، فالساحة تحتاج إلى من يقوم بهذا الدور، ودونما شك فإن كل من يأتي بمثل هذه الأفكار يشكر عليها، لكن الواقع والمنطق يفرضان نفسيهما، ولا يمكن تجاوزهما ويقولان إن هذا الدور لا يمكن أن يقوم به هذا الشخص ولا غيره من المنتمين إلى هذا الفريق أو ذاك، فلا يمكن فعل شيء من هذا في غياب الثقة التي هي أساس كل تحرك من هذا القبيل. الفكرة جيدة والكلام جميل لكن الواقع والمنطق يقولان غير ذلك ويؤكدان أن هذا الدور ينبغي أن يقوم به محايدون يحظون بثقة كل الأطراف ذات العلاقة، فكما أن الجمعيات السياسية على اختلافها يصعب عليها أن تثق في قائم بمد جسور التواصل محسوب على الحكومة، فإن الأكيد لا يمكن للحكومة أن تثق في قائم بهذا الدور محسوب على «المعارضة». هذا منطق، ولا يمكن تجاوز المنطق. لماذا لا يكون هذا الذي يقوم بهذا الدور ينتمي إلى ذاك الفريق وليس إلى هذا الفريق؟ لماذا لا يكون من المقبولين من الحكومة والفريق الآخر؟ هل يقبل هذا الفريق أن يفرض عليه شخص ما يكلف بهذه المهمة؟ المسألة لا يمكن أن تصير بهذه الكيفية، والحماس لا يوصل إلى النهاية المرجوة وإن كانت النيات طيبة.دونما شك فإن المرحلة تتطلب وجود من يمكنه أن يقوم بمثل هذا العمل، لكن هذا العمل لا يمكن أن يقوم به كل من يرغب في القيام به، هذا العمل يتطلب وجود أشخاص -وليس شخصاً واحداً- يحظون بثقة كل الأطراف ويتمتعون بالقدرة على الوقوف على مسافة واحدة منها جميعاً ولهم تاريخ يعتد به وخبرة وحنكة وحكمة ويتمتعون بقبول من المجتمع والناس. ليس صعباً تشكيل مثل هذا الفريق، فلو خلتْ خربت، ومجتمع البحرين غني بالشخصيات التي تتوفر فيها الصفات المطلوبة وأكثر ولو تم تكليفهم بالقيام بهذه المهمة فإنهم لا يتأخرون عن تلبية النداء وخدمة الوطن. الخصم لا يكون حكماً، هذه قاعدة أساسية، وبالتالي لا يمكن لشخص ينتمي إلى «المعارضة» أن يقوم بمهمة مد جسور التواصل بينها وبين الأطراف الأخرى التي تتخذ منها موقفاً يصل إلى حد عدم الاعتراف بأنها معارضة. هذه المهمة طيبة ولكن ليس هذا أو ذاك من يمكنه القيام بها، فالوضع الذي صرنا فيه تكمن القيمة في الثقة وليس في القدرات، فأياً كانت قدرات من يتحمس للقيام بهذا الدور فإنها لا تفيده لو أن الأطراف الأخرى لا تثق به وتتخذ منه ومن فريقه موقفاً.