فقط 48 ساعة بقيت على الإعلان عن توقيع الاتفاق النووي الإيراني بين الغرب وطهران، وهو اتفاق ليس بتقليدي، بل هو اتفاق استراتيجي من شأنه أن يقلب معادلة القوى الإقليمية والدولية في الشرق الأوسط، وهي في الوقت ذاته بداية مهمة لمرحلة جديدة وشرق أوسط جديد. الأهم في المسألة أن الاتفاق النووي الإيراني سيكون إعلاناً رسمياً لانتهاء التحالف التاريخي بين دول مجلس التعاون الخليجي من جهة والولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى. وهو ما يعني أن التحالف انتهى وبدأت مرحلة جديدة من العلاقات تقوم على الشراكة وليس التحالف، وفي مرحلة الشراكات لن تكون هناك ضمانات، وبالتالي سيكون غياب الثقة السمة الأبرز للفترة المقبلة من العلاقات الخليجية - الأمريكية.الغرب يعمل منذ فترة على تغيير موازين القوى في إطار الشرق الأوسط الجديد من خلال إعادة ترتيب المنطقة التي تعمها الفوضى وانعدام الاستقرار. ويعتمد التقييم الغربي لإيران -التي فرض عليها عقوبات دولية قبل فترة- على أنها قوة إقليمية لديها نفوذ واسع في الشرق الأوسط بدءاً من العراق ومروراً بكل من سوريا ولبنان، وحتى في جنوب المنطقة وتحديداً في اليمن، فضلاً عن خلايا كثيرة قادرة على تفعيلها في كثير من الدول.داخلياً، تتمتع طهران بدرجة نسبية من الاستقرار في ظل التحديات الكبيرة وبسبب سياسات النخبة الثيوقراطية الحاكمة بإدارة الدولة وفق النمط البوليسي. وهو ما يزيد من مطامع الغرب في إبرام اتفاق معها حول برنامجها النووي المثير للجدل، لذلك لا نكاد نجد تحليلات تشكك أو ترى صعوبة إبرام اتفاق وشيك، بل من الواضح أن التصعيد الجاري إعلامياً بين طهران والغرب ما هو إلا لأغراض الاستهلاك الإعلامي، في وقت قاربت فيه الدول الغربية استعداداتها للاستفادة من مرحلة ما بعد توقيع الاتفاق.فنياً، فإن رفع العقوبات عن طهران سيكون تدريجياً، وسيستغرق فترة للتأكد من مدى التزام الإيرانيين ببنود الاتفاق. ومع ذلك فإن استعدادات كبيرة تمت خلال الفترة الماضية لتعظيم المكاسب الغربية. فهناك العديد من الدول الأوروبية شكلت وفوداً تجارية رفيعة المستوى برئاسة السفراء الأوروبيين السابقين في طهران لزيارة الأراضي الإيرانية لاستكشاف الفرص الاستثمارية المتوقعة. وواشنطن تتطلع للنفط الإيراني، وشركاتها تطمح لدخول السوق الإيرانية، فعلى سبيل المثال تتطلع شركة بوينغ الأمريكية لتحديث أسطول الخطوط الجوية الإيرانية الذي بات قديماً، وبيع أحدث الطائرات للإيرانيين. بالمقابل فإن الصين التي تعد أكبر شريك تجاري لإيران تسعى لزيادة مكاسبها الاقتصادية في مرحلة ما بعد رفع العقوبات.هذا هو المشهد الذي نحن مقبلون عليه خلال ساعات قليلة، فهل تدرك دول مجلس التعاون الخليجي حجم التحولات التي ستطرأ على المنطقة قريباً جداً؟ وماذا ستفعل بعد أن ذهب الحلفاء وجاء الشركاء؟