يوم الجمعة الدامي كان إنجازاً استثنائياً لتنظيم داعش؛ إنه التاسع من رمضان الذي تمكن فيه التنظيم من تنفيذ ثلاث عمليات كبيرة في ثلاث القارات العتيقة متمثلة في دولة الكويت وتونس وفرنسا. والرسالة الداعشية لا تقبل اللبس؛ فالعالم صار في متناول قبضتها، وتمكن التنظيم من شغل العالم بأسره بتمدده ومتانة اتصالاته وكفاءة تنسيقه. هذه الإمكانات التي (قطعاً) تتجاوز القدرات (الذاتية) لتنظيم تغلب عليه الصبغة الجهادية قد تأخرت دولنا في أخذ تهديداته والتعامل مع خطورته بالجدية الكافية.جميع العمليات التي نُفذت في غزوة رمضان كما أسماها التنظيم خطيرة وذات دلالة مدروسة بعناية من العقول المدبرة للتنظيم. ولكننا إذا ركزنا الضوء على العملية الأقرب إلى البحرين جغرافياً، وهي تفجير مسجد الإمام الصادق في الكويت، فإننا نجد الدلالة هي استكمال لمشروع الشرق الأوسط الكبير الذي يقوم على تفجير التناقضات العرقية والمذهبية في المنطقة تأسيساً لإعادة تقسيم المنطقة وفق تلك المعايير. وتفجير الكويت رسالة واضحة من داعش أن الدور قد وصل إلى دول الخليج بعد أن أرسى ركائزه في كل من العراق وسوريا واليمن.خطورة عملية تفجير مسجد شيعي في الكويت أن دول الخليج ذات تنوع مذهبي واضح، وهي في الوقت نفسه تعاني من تفشي الفكر الداعشي الذي أسس مفهوماً مشوهاً للجهاد يتم تطويره وتحويره في كل مرحلة حسب احتياجات المشروع الإقليمي. حيث التحق كثير من شباب الخليج وانضموا للجماعات الجهادية المتطرفة ابتداء من حرب أفغانستان في مطلع الثمانيات من القرن الماضي وانتهاء بالتحاقهم بالعمليات الجهادية في العراق وسوريا وليبيا. وجميع عمليات مكافحة الإرهاب الداعشي أو تلويناته لم تكن بالجدية الكافية لاستئصاله أو وقف تغلغله في دول الخليج. فالشباب الذين تم تجنيدهم للعراق وسوريا لم يتم تتبع منابعهم وتجفيفها كي لا يتم تجنيد غيرهم. فلم يتم تتبع المدارس التي تعلموا بها والمساجد التي اعتكفوا فيها والمشايخ الذين تتلمذوا على أيديهم والحلق التي مكثوا فيها ولم يتم كشف الشبكات التي تجندهم وترحلهم إلى مواقع الجهاد. كان الباب يغلق خلف كل مجاهد بسحب جنسيته وتحويله للمحاكمة حال عودته، ونحن نعلم أنه لن يعود حتى جثة هامدة. ومازال في مساجدنا من يدعو للجهاد في دول لها مشكلاتها السياسية الداخلية التي لا علاقة لأبناء البحرين والخليج بها. فما هي علاقة شبابنا بإسقاط النظام السوري؟ وماذا لو تبنت نفس الجهات من جغرافيا أخرى دعوات للجهاد ضد أنظمتنا الحاكمة؟ أليس هذا القياس وارداً؟ كما أن بعض الجهات الأهلية المحلية مازالت تجمع التبرعات للإخوان في سوريا دون أن نعلم لأي الجهات السورية سوف يتم تسليم التبرعات وما هي علاقة الجهات الأهلية هنا بتلك هناك؟ أليست هذه الأسئلة والتدابير الناتجة عنها جزءاً أصيلاً من تجفيف منابع الإرهاب وقطع شبكات تمويله؟يضاف إلى ما يمكن أن نسميه (اختراقاً داعشياً) لدول الخليج وجود أبواق طائفية من كلتا الطائفتين تقتات على الشحن الطائفي وعلى إبقاء المنطقة على صفيح ساخن لحصد مكاسب فئوية وأحياناً دولية. هذه الأبواق تخرج علينا في الأزمات لتصدح بأنها ضد الطائفية وأنها تقف بحزم أمام تفتيت النسيج الوطني. ولكنها، حسب زعمها، تقدم الحقائق مجردة دون لمز وتكشف الخونة دون نفاق وتحمي الوطن من العملاء. هذا الطرح يتجاوز الأحداث الجارية ليتجذر أحياناً في الممارسات الدينية التي تهيج مشاعر الجماهير وتستحضر الأموات ليكملوا معاركهم التاريخية مشتبكين مع الأحياء. حتى نتج لدنيا قاموس طائفي طويل عريض من كلا الطرفين ومصادر موثقة وثابتة للشحن الطائفي والنزاع المذهبي بإمكان أي عنصر دخيل أو جديد أن ينهل منها ويكمل مشوار الطائفيين الأولين.كل تلك الفوضى تعج بها مجتمعاتنا دون قوانين رادعة تجرم بحزم كل من يزدري المذاهب ويثير النعرات الطائفية وكل من يستغل المناسبات الدينية لرفع الشعارات التي تستفز الآخرين وتثير حفيظتهم. ودون تتبع أمني صارم وشفاف لكل من يجند أبناء دولنا ليحترقوا في أتون حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل. هؤلاء الشباب الخليجيون الذين بدأت القصة بتجنيدهم لتصديرهم للحروب الخارجية قد صاروا فوائض لمشروع فضفاض فتم إعادتهم لأماكن نشأتهم أو إبقاؤهم فيها كي ينفذوا الجزء الخاص بالمشروع الطائفي والإرهابي في دولهم بعد استيفاء احتياجات التنظيم من العناصر العالمية في كل من سوريا والعراق وغيرها. وتلاقى وجودهم مع وجود فرز طائفي حقيقي وشحن مذهبي مخيف ليصبحوا نذيراً لانفلات أمني غير واضح المعالم لحد الآن في دول الخليج.المستوى العالي من الإتقان والجودة التي نُفذت بها غزوة رمضان والامتداد العالمي الذي كشفت عنه لا يجب أن تتعامل معه قيادات الخليج السياسية وأجهزتنا الأمنية باعتباره حدثاً عابراً ناتجاً عن خلل أمني يمكن تداركه. غزوة رمضان كانت بأيد محلية تم التنسيق بينها عالمياً دون أن يرصد جهاز أمني في أي من القارات الثلاث أي أداة اتصال أو مؤشر ربط. ولم يعد لدينا وقت كاف لندق في كل مرة ناقوساً للخطر. فالخطر في دارنا ونحن مازلنا في غفلة وذهول.