الجميل واللافت في أهل الكويت أنهم وأدوا الفتنة في ساعتها بحرصهم على عدم توجيه أصابع الاتهام في الفعل الجبان الذي راح ضحيته نحو ثلاثين من المصلين الصائمين في مسجد الإمام الصادق، الجمعة الماضية، للمنتمين إلى المذهب الآخر، فقد علمتهم التجارب أن من يقوم بمثل هذا الفعل إنما يهدف إلى زرع الفتنة ويسعى إلى إيجاد شرخ بين السنة والشيعة بالدرجة الأولى وتخريب المجتمع وشغله بالانتقام من بعضه البعض وتوفير الأسباب لجعله يتحول من مجتمع مستقر إلى مجتمع يعاني من الفوضى ومهيأ لممارسة العنف والتطرف. منذ اللحظة التي حصل فيها الانفجار خرج أبناء الكويت على اختلاف مذاهبهم على الفضائيات ونبهوا إلى هذا الأمر، والأمر نفسه اهتم به من تواجد في مكان الانفجار فتم مثلاً تسجيل فيديو قصير لشاب كويتي يؤكد للصحافيين أن المستهدف من التفجير هي الكويت وليس المصلون في ذلك المسجد، وأن المستهدف هو الشعب الكويتي وليس الشيعة منهم أو السنة، وأن المستهدف هو استقرار الكويت وحاضرها ومستقبلها وكل جميل فيها. هذا يؤكد وعي شعب الكويت وذكائه وإدراكه لأبعاد ما يجري ولمرامي الفاعلين الذين لم يفرقوا بين شيخ كبير وطفل صغير وشاب ولا يهمهم إن كان الضحايا من الشيعة أو السنة، صغاراً أو كباراً، رجالاً أو نساء، من هذه الفئة أو تلك، فالمهم هو إنجاز المهمة وتحقيق ذلك الهدف الذي لا يمكن أن يخفى على شعب عاقل متعلم واع مثل شعب الكويت، الذي حباه الله أيضاً بنعمة الإيمان وبنعمة الثقة في بعضه البعض وفي قيادته التي أكدت وقوفها ومسؤولياتها منذ اللحظة الأولى لذلك العمل الإرهابي الجبان، حيث سارع صاحب السمو أمير دولة الكويت بمعاينة مكان الانفجار والتعبير عن غضبه مما حدث وعن حبه لشعبه، وكذلك فعل سمو ولي العهد ورئيس مجلس الأمة والمسؤولون.وتأكيداً لهذا الوعي وهذا التوجه؛ اختير مسجد الدولة الكبير ليكون المكان الذي يتلقى فيه ذوو الشهداء التعازي والمواساة، وهذه رسالة واضحة من الدولة إلى كل من يريد بالكويت سوءا ملخصها أن الكويت لجميع أبنائها بغض النظر عن مذاهبهم وأصولهم وألوانهم، وأن الكويت هي أم الجميع وأميرها والد الجميع. من يعتقد أن المستهدف من عملية التفجير هذه هم شيعة الكويت دون غيرهم فهو مخطئ دونما شك، فحصول التفجير في مسجد للشيعة لا يعني أبداً أنهم المستهدفون، ولا يعني أن المكان التالي سيكون مسجداً أو مكاناً آخر يتواجد فيه الشيعة فقط، فقد يكون مسجداً للسنة أو سوقاً شعبية أو أي مكان يتواجد فيه الكويتيون أو المقيمون في الكويت أو زائروها وفي أي مناسبة، فالهدف من الإرهاب لا يتحقق في مساجد الشيعة فقط، والإرهاب لا يفرق بين هذا وذاك طالما أن هذا أو ذاك يتحقق من خلاله الهدف.من ردات الفعل الشعبية اللافتة كانت الصلاة المشتركة للشيعة والسنة في نفس اليوم وفي نفس المسجد الذي تم فيه التفجير. كانت رسالة عاطفية لكنها مهمة مفادها أن شعب الكويت واحد وأن أهل السنة منه يفدون إخوانهم الشيعة بأرواحهم، والعكس صحيح.تحديد أهل الكويت موقفهم من الإرهاب وتمكنهم من لجم انفعالاتهم وتحكمهم في ردود أفعالهم كان درساً بليغاً ومهماً ينبغي أن نتعلم منه جميعاً، فما فعلوه هو أنهم أغلقوا الباب في وجه الفتنة ومن يسعى إليها وأكدوا بالقول والعمل أنهم شعب واحد، عاشوا معاً وسيواجهون الإرهاب معاً وأنهم لن يسمحوا لأحد أن يفرق بينهم، فمن يعرف الكويت -كما قال الشيخ ناصر المحمد- ويعرف معادن أهلها وأخلاقهم ويرى كيف هم ملتفون حول قيادتهم يتيقن أن أهل الشر والإرهاب سيفشلون في مبتغاهم.