عندما لا يحقق فريق كرة القدم النتيجة المرجوة ولا يظفر بالبطولة أو يهزم في مباراة مهمة؛ يبادر مجلس إدارة النادي بإقالة المدرب وتعيين آخر بدلاً عنه. الفكرة هنا أن مجلس الإدارة وجمهور الفريق يعتقدون أن ما حصل هو نتيجة إخفاق المدرب في تدريبه للفريق وفشل الخطط التي وضعها، لكن أحداً لا يقول إن الفريق كان دون استيعاب الخطط أو القدرة على تنفيذها بالشكل الذي أراده المدرب، ولا أحد ينظر في الظروف الأخرى للاعبين أو في إخفاق مجلس الإدارة في توفير الظروف والأجواء المعينة على تحقيق الفوز، فالجميع يوجه سهامه نحو المدرب كونه ربما الحلقة الأضعف. لكن إذا كان يمكن قبول اعتبار المدرب السبب الأول والأخير في عدم تحقيق الفوز والبطولة أو في تلقي الهزائم؛ فكيف يمكن قبول مسألة الطلب من الوزير المعني في المجالات البعيدة عن كرة القدم «تقديم استقالته فوراً» بسبب حصول خطأ ما في المجال المعني به؟ هنا مثال؛ مباشرة بعد حصول التفجير بمسجد الإمام الصادق في الكويت دعا بعض الكويتيين، ومنهم نواب بمجلس الأمة، وزير الداخلية إلى «إعلان استقالته فوراً». ومثل هذا الأمر يحدث في مختلف البلاد العربية عند حصول عمل إرهابي أو وقوع كارثة معينة بما في ذلك الزلازل، وكأن استقالة الوزير في تلك اللحظة ستنهي المشكلة أو الكارثة، وكأن الوزير هو السبب في حصول ذلك الذي حصل، وكأن غياب الوزير بسبب استقالته أمر عادي في مثل ذلك الظرف. نعم هناك مسؤولية أدبية على الوزير المسؤول، يحدث أن يعبر البعض منهم بتقديم استقالته التي عادة لا ينظر فيها على الفور. ليس الوزراء فقط.قبل نحو شهر حصل خطأ في نشر مادة بإحدى الصحف الخليجية يحاسب عليها القانون ونشرها يسيء للذوق العام والمجتمع، فلم يكن من رئيس التحرير إلا أن أعلن عن مسؤوليته عن ذلك ووضع استقالته أمام مجلس الإدارة ليبت فيها. لكن مثل هذا التصرف الحضاري لا يؤثر على الصحيفة التي يمكن أن يتسلم إدارتها على الفور آخرون ويمكن تسييرها بقائم بالأعمال، لكنه غير ممكن عملياً في حالة الوزراء وبالتحديد وزراء الداخلية والدفاع في ظروف معينة. ترى ما فائدة استقالة وزير الداخلية الكويتي في مثل هذا الظرف؟ يمكن للوزير أن يستقيل إذا تورط في تصريحات مثيرة للجدل وفي وقت لا تؤثر استقالته على البلاد، كما حصل مع الوزير الروماني، الذي قال في لقاء تلفزيوني «إن سفر الآباء إلى الخارج يدفع أطفالهم إلى الانحراف بينما تصبح زوجاتهم عاهرات»، وكما حصل مع وزير العدل في مصر الذي قدم استقالته بعد إدلائه بتصريحات أثارت موجة عارمة من الغضب عندما قال إنه «لا يمكن لأبناء الفقراء أن يصبحوا قضاة».هناك حالات أخرى يمكن للوزير أن يستقيل فيها مثل عدم وجود مخرج آخر لإسقاط طلب استجوابه أو التصويت على سحب الثقة من الحكومة إلا باستقالته، وهذا يدخل في باب التكتيك، وهناك حالات يجبر فيها الوزير على تقديم استقالته مثل وعده المواطنين بتحقيق أمور مهمة ولم يف بوعده ومثل تورطه في فضيحة معينة أو الإجماع على أن أداءه دون المقبول. لكن مطالبة وزير داخلية بالاستقالة في ظرف يتطلب أن يكون متوفراً فيه فهذا يدخل في باب الترف وباب التقليد الذي لا يتناسب مع ظروف البلاد العربية، حيث يردد البعض دائماً مقولة إن الوزير في أوروبا وأمريكا يستقيل فور حصول خطأ ما، بينما في البلاد العربية لا يستقيل مهما يحدث. هناك فارق كبير بين استقالة أو إقالة وزير داخلية وبين استقالة أو إقالة مدرب فريق كرة قدم.