صحافة أمس نشرت بيانين أمريكيين يتحدثان عن البحرين.البيان الأول صادر من واشنطن عن المتحدث باسم وزارة الخارجية جون كيربي، والآخر من المنامة يتضمن تصريحات للسفير الأمريكي الجديد هنا ويليام روبوك.طبعاً طريقة التعاطي مع الخبر اختلفت، فهناك من أبرزه ووضعه في مقدمة عناوينه، وركز فيه على كلمات مثل «الضغط على حكومة البحرين» على لسان الأمريكان، وأبرز وصف «قمع المظاهرات» في عام 2011، و»حالة حقوق الإنسان» و»الحكم على علي سلمان»، طبعاً بما يخدم توجهاته الواضحة أصلاً، في حين هناك من تعاطى معه بحسب مضمونه الخبري وأنه معني بقرار رفع حظر المساعدات الأمنية الأمريكية للبحرين، أو بالأصح «بيع الأسلحة» للبحرين، إذ واشنطن لا تقدم شيئاً «ببلاش».عموماً، هناك من يفرح دائماً بكل كلمة يطلقها «أجنبي» فيها إشارات ولو «باللمز والهمز» تستشف منها إساءة للبحرين، وهذا أمر طبيعي على من يطالعنا كل يوم بـ»صراخ على قدر الألم»، خاصة وأن البحرين لم تسقط فريسة لمحاولة انقلاب فاشلة قبل ثلاث سنوات، ولا هي ماضية لشرب نفس الكأس بارتكاب أخطاء استراتيجية وجسيمة، في ظل سياسة واضح هدوؤها وحصافتها، الأمر الذي أربك صفوف من ظن أنه بأساليب الاستعانة بالغرب وإعلامه وترويج الأخبار المضخمة والمفبركة يمكنه زعزعة استقرار البحرين.لم يعرف من خلال ممارسة احترافية وخبرة سنوات في فن «تفكيك الخطاب»، يدرك بشكل واضح وجلي -بشأن البيانين الأمريكيين- أن مبررات الخطوة المتخذة وهذا الإعلام الأمريكي أكبر من الجمل التي «أدخلت» في البيانات لتحافظ على «شعرة معاوية» التي تمدها واشنطن مع تلك الجماعات المتطرفة التي تدعمها عبر برامجها المعنية بمؤسسات المجتمع ومن يدخل ضمن مسمى معارضة، وطبعاً نعني تلك الجملة التي ورد ذكر علي سلمان فيها وحقوق الإنسان وغيرها، إذ الهدف كله هنا هي البحرين كدولة، ومحاولة استعادة قوة العلاقة مثلما كانت سابقاً مع البيت الأبيض.رغم أن الخطاب الأمريكي لا يحتاج لـ»تفكيك» معقد لكونه صريحاً رغم بعض محاولات المناورة لـ»إلقاء شيء» لمن «يتسولون» كلمات أمريكية تتناغم مع ما يقولونه ضد سياسات البحرين الأمنية وتطبيق قوانينها، إلا أن الطلب الأمريكي جلي فيه، هو رضا البحرين لا العكس.أولاً: العملية أساسها إعادة عجلة المبيعات العسكرية الأمريكية في البحرين «افتحوا عيونكم واقرؤوها في قلب بيانهم، مبيعات، وليست مساعدات مجانية»، وهذا يأتي بعد خطوات ذكية مدروسة قامت بها البحرين مع أقطاب القوى العالمية الأخرى مثل روسيا والصين وتقوية العلاقة مع بريطانيا وفرنسا بشكل لافت، بحيث كانت الرسالة واضحة للأمريكان بأن «دعوا أسلحتكم لكم».ثانياً: التأكيد الأمريكي في أكثر من موضوع في البيانين على أن البحرين حليف مهم في القضايا الأمنية، والإشارة إلى المشاركة البحرينية في الحرب على «داعش»، وذكر الدعم اللوجستي الذي قدمته البحرين من خلال القاعدة العسكرية على أراضيها التي ينطلق منها الأسطول الخامس الأمريكي وتأمين خطوط الملاحة.ثالثاً: اربطوا البيانين الأمريكيين، بحركة الجنرالات الأمريكان في الآونة الأخيرة، خاصة بعد إعلان البحرين مد جسور التعاون العسكري مع روسيا والصين وغيرها، تابعوا حركة زياراتهم لسمو رئيس الوزراء وسمو ولي العهد وللقائد العام المشير، وهي اجتماعات لم تتوقف، كلها احتوت في نقاشاتها طلبات لعودة العلاقة العسكرية لما كانت عليه من قبل، طلبات من الأمريكان تحديداً، إذ أيعقل أن «يشتري» الحليف الاستراتيجي الخليجي من روسيا «الغريمة» الأسلحة.زبدة القول هنا؛ بأن المركزين على كلمة «مساعدات» ليصححوا بحسب ما أوردته الفقرة الشارحة في الخبر الأمريكي وقدمت الوصف الحقيقي «المبيعات»، أي الهدف هي أموال البحرين. وبعدها ليدركوا بأن الأمريكان دائماً ما أعادوا ضبط بوصلة عملهم للتوافق مع التحالف القوي، وبعد «عاصفة الحزم» التي وحدت كلمة الخليج والعرب ضد «الحوثيين» أذناب إيران، وبعد اتجاه دول الخليج لمد جسور تعاون على المستوى العسكري مع أضداد للولايات المتحدة، أدرك البيت الأبيض فداحة الخسارة السياسية والاستراتيجية التي سيتكبدها إن واصل بعض مسؤوليه ومتحدثيه وصناع القرار لديه «ممارسة الفلسفة» على دول الخليج العربي.أما أولئك الذين مازالوا يرون في الأمريكان «قبلة ثانية» داعمة بعد «القبلة الأولى» في طهران، فلكم في الجمل التي داعبت مشاعركم في البيانين الأمريكيين فرصة لـ»إسعاد أنفسكم»، فما حصل فعلياً هو «تخدير» لهؤلاء بإلقاء «عظمة» لهم، في حين «العمل الفعلي» و»اللحم» كله هناك مع قادة الخليج، سعياً لتأمين الوضع الأمريكي وإعادته لما كان عليه سابقاً.باختصار، ماذا قال الأمريكان؟! سـ»نضغط» و»سنحث» و»سندعو» حكومة البحرين؟! حقاً، طيب انتظروا الحث والضغط والدعوة بالكلام، وهللوا حينها مع كل تصريح.لكن الرسالة الأمريكية الأهم؛ ها هي أسلحتنا معروفة للحكومة البحرينية لتشتريها مجدداً، وها هو شكرنا نقدمه لدعمكم اللوجستي لعمليات القاعدة الأمريكية، ولمشاركتكم الفاعلة في الحرب ضد «داعش».