يتقرر اليوم «الأحد» من خلال الاستفتاء مصير اليونان في المجموعة الأوروبية، وفي الواقع فإن البداية في مأساة اليونان الحالية كانت مع الوعود التي قطعها الحزب الحاكم على نفسه، وهو في طريقه لتولي السلطة، حيث أعطى الناخبين الانطباع بأنه سوف يحررهم من برامج الإصلاحات المطلوبة من الدائنين، بل ذهب إلى أبعد من ذلك بأنه سوف يحصل لهم على إعفاءات مهمة من ديون اليونان المتفاقمة. وبعد سلسلة طويلة من المفاوضات اكتشفت الحكومة اليونانية أن وعودها صعبة التحقيق، وأنه لا مفر من الالتزام ببرامج الإصلاحات الاقتصادية، وأن فكرة الإعفاء من الديون عملية غير واردة. وقد وصل الأمر على إثر ذلك إلى تخلف اليونان عن الوفاء بالتزاماتها المالية، حيث لم تدفع قسطاً مستحقاً في 29 يونيو الماضي بمبلغ 1.5 مليار دولار لصالح صندوق النقد الدولي، وبالتالي لم تعد المجموعة الأوروبية ملزمة بالاستمرار في تمويل الوضع المالي في اليونان بسبب رفض اليونان قبول الإجراءات الإصلاحية المطلوبة من قبل الدائنين. أمام هذه المعضلة لم يجد الحزب اليوناني الحاكم إلا الهروب إلى الأمام من خلال إلقاء المسؤولية وإحالة الأزمة التي تسبب فيها إلى استفتاء شعبي ملغوم، طلب فيه إلى الشعب رفض الإجراءات الإصلاحية المطلوبة من الدائنين، اعتقاداً منه بأن تصويت الشعب ضد هذه الإجراءات من شأنه أن يقوى موقفه التفاوضي ويجبر الدائنين على تغيير موقفهم، إلا أن مثل هذا المخطط له تبعات خطيرة على مستقبل اليونان في المجموعة الأوروبية، وتحسباً لمثل هذا المصير بدأ الناس في أخذ احتياطياتهم من خلال سحب مدخراتهم من البنوك، الأمر الذي أدى إلى شبه إفلاس للمصارف اليونانية، مما اضطر الحكومة إلى التدخل وفرض قيود على سحب وتحويلات الأموال ووضع حد أقصى للسحب من الصراف الألي بما لا يزيد عن 60 يورو يومياً لكل شخص، كما أجبرت البنوك على إغلاق أبوابها إلى ما بعد الاستفتاء، والمحدد له أن يتم هذا اليوم. إن المجموعة الأوروبية قد تحركت من جانبها لتوضيح الموقف أمام الرأي العام اليوناني بأن المطروح عليهم من قبل الحكومة ليس هو قبول أو رفض الإجراءات الإصلاحية؛ بل أبعد من ذلك؛ حيث يتعلق الأمر باستمرار عضوية اليونان في المجموعة الأوروبية من عدمه، وقد عززت المجموعة الأوروبية من موقفها بأنه لن يكون هناك بدائل أخرى أفضل مما تم عرضه حتى الآن. وحسبما يبدو فإن الأمر بالنسبة للشعب اليوناني بدأ يأخذ بعداً عاطفياً ورد فعل ضد المجموعة الأوروبية بشكل خاص ومختلف الدائنين وصندوق النقد الدولي بشكل عام، حيث صور الحزب الحاكم في اليونان بأن شروط الدائنين تمس كرامة اليونانيين، وأن مثل هذه الشروط فيها إذلال لليونان وعدم تقدير لظروفه الاقتصادية الصعبة، وأن التصويت بـ»لا» على مقترحات الدائنين من شأنه أن يساعد على الحصول على شروط تعاقدية أفضل. لكن مهما تكن نتيجة هذا الاستفتاء فإن اليونان بهذا الأسلوب قد وصل إلى مفترق طرق، حيث وإن رفض الشعب اليوناني مقترحات الدائنين فإنه من الصعب تخيل تغيير وتنازل في موقف الدائنين من الوضع المالي لليونان، حيث يفترض بأن المجموعة الأوروبية قد قدمت أفضل ما تستطيع تقديمه لحل هذه المشكلة، وأن أي تغيير في هذا الموقف قد يمس مصداقية المجموعة الأوروبية، ولا يبدو بأن مثل هذا السيناريو يمكن أن يكون مقبولاً، أما إذا كانت نتيجة الاستفتاء بـ«نعم» للبرامج الإصلاحية؛ فمن المرجح في هذه الحالة استقالة الحزب الحاكم في اليونان وتشكيل حكومة جديدة يفترض أن تكون أكثر انسجاماً مع المجموعة الأوروبية. وحسبما يبدو، وبغض النظر عن نتيجة الاستفتاء، فإنه نظراً لاستمرار هذه الأزمة لفترة ليست بالقصيرة فإن الأسواق المالية قد أخذت في الاعتبار أسوأ الاحتمالات بما فيها احتمال خروج اليونان من المجموعة الأوروبية. لذلك لم نجد الأسواق المالية متأثرة كثيراً بهذه الأزمة، كما أن اليورو بدلاً من أن ينخفض مثلما هو متوقع في مثل هذه الظروف وجدناه مستقراً، بل متحسناً بعض الشيء، وكأن احتمال خروج اليونان من المجموعة الأوروبية لا يعني للأسواق المالية الكثير، وقد يكون ذلك عائداً لكون الاقتصاد اليوناني لا يمثل وزناً مهماً بالنسبة للاقتصاد الأوروبي، إذ لا يزيد الناتج الإجمالي المحلي لليونان عن 1-2% من حجم الاقتصاد الأوروبي. على كل حال فإن الضرر الآن قد وقع، وإن شرخاً من عدم الثقة أصبح يطبع العلاقة بين الحكومة اليونانية من جهة والمجموعة الأوروبية من جهة أخرى، لكن في خضم هذه التداعيات لا ينبغي أن ننسى أن ما وصلت إليه هذه الأوضاع ما هو إلا حصيلة وتأكيد للنزعات الانفصالية عن المجموعة الأوروبية من قبل الأحزاب الراديكالية الأوروبية، يسارية أو يمينية، حيث إن هذه النزعة الانفصالية تتشارك فيها الأحزاب الراديكالية الأوروبية دون استثناء بدءاً بالحزب اليساري اليوناني الحاكم مروراً بحزب بوداموس الإسباني وانتهاء بحزب الجبهة الوطنية اليميني الفرنسي المتطرف. لذلك فإن الوضع الذي وصلت إليه اليونان واقترابها من الخروج من المجموعة الأوروبية لا يبدو بأنه تم بمحض الصدفة.* الرئيس السابق لصندوق النقد العربي