لو أننا دولة تملك ثروات وخيرات لا تنضب، لو كان لدينا مخزون نفط لا ينتهي، ولدينا من السيولة ما يجعلنا نسبح في أنهار من الأموال، لو لدينا كل ذلك، هل يكفي لأن ينعم الناس بحياة مرفهة ولا يوجد فيها أية منغصات أو مشكلات؟!يمكن أن نجيب بسهولة بأن «نعم»، لو كانت المعطيات كما أشرنا إليه أعلاه، بمعنى أن لدينا خيرات مستمرة ومتجددة، ولدينا بيئة خصبة يمكن توظيف هذا الخير فيها، ولدينا شعب منتج يعمل لا تدخل بين أطيافه الضغينة، ولا يمتلك أجندات ومطامع من شأنها تجعله يعمل لزعزعة نظام بلد كامل ويحرق كل جميل فيها.الاسترسال الأخير في الجملة السابقة، بحد ذاته يكشف الخلل في المعادلة، إذ لا يمكن مهما كانت النعم موجودة، ومهما كانت الخيرات متوفرة، وكانت الأموال متدفقة، لا يمكن لها أن تثمر وتحقق أهدافها طالما المجتمع لا يسوده الأمن والاستقرار، إذ حينما يغيب الأمن يتحول كل جميل إلى قبيح، وتضيع الخيرات ونعم الله أمام طغيان الفوضى وعدم الاستقرار.لذلك فإننا قبل أن نطلب من الله أن يصلح الأحوال في بلادنا، وأن يزيد الخير علينا، فإن أول ما نطلب منه أن ينعم علينا بالأمن والأمان، وأن يجعل الاستقرار المجتمعي سمة دائمة لدينا.لا دولة تقوم بلا أمن، ولا ازدهار اقتصادي يحصل دون أمن، ولا تعايش مجتمعي ولا تقارب ولا وحدة وطنية تحصل وتتحقق بدون أمن، بل لا يمكن للإنسان أن يمارس حياته الطبيعية وأن يخطط لمستقبل صحيح له ولأبنائه دون أمن. بالتالي نحن نصر ونقول بأن الأمن أولاً قبل أي شيء.اليوم ندخل مرحلة حرجة في هذا الشأن، الأخطار التي تحيق بأوطاننا وبلداننا آخذة في التكالب علينا من الخارج، في ظل وجود أخطار داخلية للأسف، هدفها إضعاف الدول من الداخل وتفكيك لحمة شعوبها، وزرع الفتن بينهم، وصولاً للهدف الأسمى بإسقاط الأنظمة وإبدالها بأخرى لها أجندات وارتباطات بالخارج.وعليه حين نقول بأن أفضل الوسائل للتصدي لهذه الأمور تكمن في تثبيت دعائم الأمن وتطبيق القانون، فإننا لا نخطئ إطلاقاً، فتطبيق القانون يعني التزام الأفراد به، خاصة من يتحين الفرص لتجاوزه والتقليل من شأنه، يعزز هذا الضبط وجود غالبية عظمى ولاؤها لأوطانها وتدافع عنها ولا تحيد عن انتمائها الوطني شبراً واحداً.الأوطان إن ذهبت فإنها لا تعود، وإن عادت فإنها تعود ممزقة متشرذمة مبعثرة، لا تكفيها سنوات وعقود لإعادتها لما كانت عليه سابقاً، فما بالكم بمن يدعي أنها ستتحول إلى الأفضل؟!وصدق هنا سمو رئيس الوزراء الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة -حفظه الله وأطال في عمره- حينما قال ليلة أمس الأول في مجلس الشيخ عيسى بن خليفة آل خليفة، بأن «الأوطان لا أثمان لها»، وكيف أن الاستهتار بأمن البلد، والتهاون في ضبط الممارسات، وعدم الاهتمام بوحدة البشر والمواطنين، كيف أنها عوامل يمكنها أن تضيع أي بلد، يمكنها أن تحوله لمجرد ورقة في التاريخ، يمكنها أن تضيع حياة آمنة طيبة أكرم بها الله عباده إلى حياة مشتتة مبعثرة يتعب فيها ناسها ويعانون أشد المعاناة.إن ضاع الوطن، هل تكفي كنوز وأموال الدنيا ونفطها بأن تعيده كما كان؟!والله حتى في الأحلام يصعب تحقيق ذلك.
Opinion
الأوطان.. ليس لها «أثمان»!
08 يوليو 2015