كان لافتاً إقدام وزارة الداخلية على فتح الباب أمام من يرغب من المواطنين المشاركة في حفظ الأمن عند المساجد، وكان لافتاً أيضاً تقدير المواطنين والمعنيين بالمساجد لهذه الخطوة التي تؤسس لشراكة مهمة عنوانها أمن المصلين، وكان طيباً تجاوب المصلين مع الذين تم تكليفهم بتفتيش الداخلين إلى المساجد سواء من الشرطة أو المتطوعين الذين اكتسبوا بطبيعة الحال سلطة شرعية تخولهم القيام بهذا الدور، فما تم وفر شعوراً بالأمان للمصلين جميعاً.لكن كان لافتاً أيضاً الاستجابة لدعوة أطلقها ما يسمى بائتلاف فبراير للتطوع لحفظ أمن المشاركين في مواكب العزاء في ذكرى الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، حيث قام بعض أولئك بمهمة تفتيش الداخلين إلى أماكن محددة، ولكن في غياب عناصر الشرطة وفي غياب الترخيص المفترض من وزارة الداخلية، وهو أمر ما كان ينبغي السماح به لأن البعض كان يمكن أن يرفض الاستجابة لأولئك المتطوعين الذين لا يحملون صفة رسمية ولم يخولوا من قبل وزارة الداخلية فتحدث مشكلات تؤدي إلى الفوضى والتأثير سلباً على إحياء ذكرى الإمام، ولأن السكوت عن هذا الأمر من شأنه أن يفتح الباب على مصراعيه لكل من يريد أن يفرض ما يشاء من إجراءات أمنية على الآخرين رغم وجود الدولة، الأمر الذي يمكن أن يؤسس لإنشاء دولة داخل الدولة. دونما شك يحتاج المشاركون في مثل هذه المناسبات إلى ما يشعرهم بالأمان، خصوصاً بعد الأحداث الخطيرة التي أودت بحياة العشرات وجرح المئات وقعت قريباً من دارنا، وتفتيش الداخلين إلى الأماكن ذات العلاقة أمر طيب ومحمود ويوفر الشعور المطلوب، ولكن ينبغي أن يتم بإشراف الدولة ممثلة في وزارة الداخلية وأجهزة الأمن وليس من قبل أي جهة، لأنه باختصار لا توجد جهة معنية بالأمان ومخولة بترتيب مثل هذه الأمور غير وزارة الداخلية، فالأمن مسؤوليتها، والمتطوعون المستجيبون لدعوات مثل هذا التنظيم أو ذاك لا يستطيعون أن يحموا المشاركين في الفعاليات أياً كانت ومهما كان عددهم. الحجة التي استند إليها من دعا إلى القيام بهذا الدور بعيداً عن مظلة الداخلية هي أن الداخلية لم تقدم على توفير هذه الخدمة، وهي حجة كما هو واضح ضعيفة لأن المسؤولين بالداخلية أعلنوا قبل أيام أنهم سيتكفلون بتوفير الأمن للجميع وفي كل المناسبات التي يشارك فيها الجمهور ووفرت مثالاً طيباً عند كل المساجد. المعنيون بالمآتم الحسينية أيضاً شاركوا في هذا الخطأ، فقد كان عليهم أن ينسقوا مع وزارة الداخلية ويرفضوا الاستجابة لدعوة هذا التنظيم أو ذاك لأن كل هذه التنظيمات غير مسؤولة عن هذا الملف ولا تستطيع تحمل تبعاته، كما أن افتقار المتطوعين للخبرة يمكن أن يسهل على المخربين فك كل القيود الموضوعة وتنفيذ عمليات ينتج عنها ضحايا من الأبرياء. «عط الخباز خبزه لو باق نصه»؛ هذا مثل شعبي يبين أن العمل المتقن يقوم به المتخصصون فيه والمعنيون به وأنه ينبغي أن تسند الأمور إليهم في كل الأحوال بسبب التخصص، أي أن الآخرين يمكن أن يخفقوا في العمل المطلوب لو قاموا به لأنهم غير متخصصين فيه. والمتخصصون في الأمن هم الشرطة ومنتسبو وزارة الداخلية وليس المتطوعين من المستجيبين لجهات لا تحمل أي صفة رسمية وغير معترف بها من الأساس ويسهل أن تتهرب من المسؤولية. ليس صحيحاً أن وزارة الداخلية أو الأوقاف الجعفرية نأت بنفسها عن موضوع توفير الأمن للمشاركين في مواكب العزاء في هذه المناسبة، فالأمن مسؤولية وزارة الداخلية وتنظيم العزاء مسؤوليتها ومسؤولية الأوقاف الجعفرية حتى لو لم تستجب المآتم لنصيحة الاكتفاء بالعزاء داخل الحسينيات هذا العام بشكل استثنائي نتيجة تهديدات المتطرفين.