لم أجد أروع من هذا البيت الشعري للشاعر البحريني رفيع القامة الأستاذ علي الشرقاوي ليصف فقدان الأمتين العربية والإسلامية لـ«قامة» شامخة قلما تجد لها مثيلاً مثل الأمير سعود الفيصل رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.نعم يا أمير يا بن ملك من أعظم الملوك، رحلت روحك إلى السماء، عادت إلى المولى عز وجل، ونحسبك عنده «شهيداً»، شهيداً دافع عن دينه وأمته، وتمثل في سبيل كلمة «لا إله إلا الله، محمد رسول الله» بكل موقف رجولي حازم، وبكل قول صارم لا يصدر إلا عن صناديد الرجال.رحل الأمير الرائع، رحل ابن الأكرمين، رحل ابن الفيصل، وما أدراكم ما الفيصل، رحل في نفس التاريخ الذي شهد إصدار والده الملك فيصل قراره التاريخي قبل 43 عاماً بقطع النفط عن الولايات المتحدة الأمريكية والتي شلها، ودفعها لإرسال هنري كيسنجر ليتوسل للملك فيصل رحمه الله.إنه سعود الفيصل، الذي لن توفيه الكلمات حقه، الذي لن تكفي الأوراق لكتابة ملاحمه، إنه الرجل الذي اختصر التعريف بنفسه في جملة صارمة قالها بهدوء وثقة وبنظرة من عينيه تكشف قوة أسد وصلابة فارس، قال: «من يمد إصبعه للمملكة سنقطه، نحن قوم نطبق شرع الله ونهجنا كتابه وسنة نبيه».ألا تنتفض شخوص تدعي أن لها باعاً في السياسة من ذكر الأمير سعود؟! ألا تخشاه وتحسب له ألف حساب وهو يذكرهم بوالده الملك الذي جعل البيت الأبيض وقاطنيه بنفسهم يترجونه ويطلبونه الرحمة؟! هذا أسد من ظهر أسد، لم يتحدث عنه خصومه إلا بكلام لا يصدر إلا عن أكبر معجبيه، هو الدبلوماسي الحذق، الصارم، الواضح، الصريح، الدهاء بنحني أمام فطنته، القوة مرادفة لاسمه، فكيف لا نبكيه، وكيف لا نحزن عليه، وبرحيله فقدت الأمتان العربية والإسلامية أسداً ورجلاً وفارساً وشخصية يصعب تكرارها.أما عن الأمير سعود والبحرين، فوالله لا يمكننا إيفاء هذا الرجل الكبير حقه، هو بحريني أكثر منا نحن البحرينيين، هو ألف وزير خارجية لوحده حين يتحدث عن البحرين، هو من يجبر القوى العالمية إن أرادت أن تنال من بلادنا الصغيرة أن تقف عند حدها، وتراجع قولها، وتحسب ألف حساب لسعود الفيصل وللمملكة العربية السعودية قبل أن تأتي قرب البحرين. أفلا نحبه؟! أفلا نعشقه؟! أفلا نبكيه بحرقة؟!تنحني لك القامات يا سعود يا بن الفيصل، في البحرين تئن الصدور بالآهات على رحيلك، فأنت كبير آخر يرحل، فارس آخر يترجل، سليل مجد ورجولة يغادرنا لجوار ربه، بعد أن أدى الأمانة ودافع عن دينه وعروبته خير دفاع.من البحرين لك ولأسرتك العريقة وللشعب السعودي الشقيق ولكل الأمتين العربية والإسلامية خالص العزاء، لسنا نبكيك حسرة عليك، بل حسرتنا علينا لأننا فقدنا «جبلاً» شامخاً، نحسبك في جنات الخلد مع النبيين والشهداء ومع والدك الملك العظيم، لن ننساك، وكيف ننسى من ينحني التاريخ أمام إنجازاته وسيرته.رحمك الله يا سعود الفيصل، يا من أتعبت من بعدك، ويا من أتعبت من وقف ضدك من طامعين ببلادنا وبلاد الخليج والعرب والمسلمين، هؤلاء الذين يصدق فيهم قول كقول سيف الله المسلول خالد بن الوليد رضي الله عنه «فلا نامت أعين الجبناء، فلا نامت أعين الجبناء».